لماذا هذه المدونة؟

نضع بين أيديكم في هذه المدونة محتويات الأعداد الستة من نشرة فرع أكادير "المعطل(ة) المكافح(ة)" وهي تدل على المجهود الإعلامي الذي بدله الفرع للمساهمة في خلق إعلام كفاحي تقوده الجمعية الوطنية. كما يأتي هذا الإصدار للتأكيد مرة أخرى على ضرورة استمرار النضال من أجل بناء جمعية للمعطلين جماهيرية كفاحية مستقلة والعمل من أجل النضال المشترك مع كل ضحايا البطالة ومن أجل توفر جمعيتنا على إعلام كفاحي ومستقل يرفع عنها الحصار ويكون منبرا لنقاشنا الداخلي. كما نجدد التأكيد أن لا مستقبل لجمعيتنا في غياب ترسيخ تقاليد الديموقراطية الداخلية.


الأربعاء، 1 دجنبر 2010

من أجل بناء جمعية للمعطلين جماهيرية كفاحية مستقلة


من أجل بناء جمعية للمعطلين جماهيرية كفاحية مستقلة

1)- إعادة هيكلة سيرورة الإنتاج الرأسمالي التبعي المتأزم واحتداد البطالة
ها قد مرت 15 سنة على نهج البرجوازية لسياسة التقويم الهيكلي، وهي عبارة عن سلسلة متواصلة من الهجومات على حقوقنا وعلى المكتسبات الاجتماعية، وعلى الأجور والشغل، وعلى ظروف العمل والحياة. هذا كله لتسديد مديونية لسنا مسؤولين عنها، والتي استخدمت في تمويل استثمارات غير منتجة ومضارباتية، وفي تحديث جهاز القمع، وتضخيم أرباح كبار موظفي الدولة، وفي ضمان حياة البذخ والتبذير بالنسبة لكبار الملاكين، ودعم متطلبات التراكم الرأسمالي بالنسبة للتجمعات الكبرى المرتبطة بالسوق العالمية، الخ. فنحن ملزمون بتسديد 25 مليار دولار دون احتساب الفوائد، في الوقت الذي لم يصرف فيه ولو درهم واحد لحاجياتنا الإجتماعية. لهذا، فالوصفة الكلاسيكية تتمثل في تقليص الميزانيات الاجتماعية، وتقليص كتلة الأجور الإجمالية عبر التقشف وعبر البطالة. الخ.
إن البطالة ليس أمرا محتوما ولا نتيجة للنمو الديموغرافي أو لأزمة التعليم، بل إنها تعكس هذا القانون الكلاسيكي للرأسمالية المتأزمة حيث يتعلق الأمر بالتوفيق بين حجم قوة العمل الموجودة وبنية الأسواق المربحة. وعندما تتقلص هذه الأخيرة، بالضبط نتيجة منطق الربح والتبعية، لا تجد قوة عملنا، التي ليست سوى سلعة ككل السلع الأخرى، من يشتريها.
هذه البطالة البنيوية ستشهد طفرات جديدة مع إعادة هيكلة سيرورة الإنتاج الرأسمالي التبعي المرتكزة إجمالا على الانفتاح المعمم على المنافسة العالمية، وإيجاد مشاريع «منطقة التبادل الحر». فقد أشارت دراسة رسمية إلى أن هذا الإنتاج سيؤدي إلى إفلاس 30% من المؤسسات، و30% أخرى ربما قد تتكيف شرط أن تعيد هيكلة نفسها وأن تقلص تكاليف إنتاجها (عبر التسريحات الجماعية!). ولن تشكل المؤسسات «التنافسية» سوى 30% (من خلال بعض المجالات التصديرية المحدودة!). في هذه الصفقة التي سيعيد فيها الرأسماليون تقسيم الأرباح على أساس اندماج غير متساو في الاقتصاد العالمي الحافل بالتحولات، سنرى بأن إمكانية التشغيل هي التي ستتقلص بشكل ملحوظ. فـ«القطاع العام» ينهج منذ سنوات سياسة تعتمد على تقليص ميزانية الدولة على حساب أجور قوة العمل وإلغاء مناصب الشغل، في الوقت الذي تتواصل فيه الخوصصة وحرية التسريح بالنسبة للمستفيدين منها.
أمّا القطاع الخاص فهو عاجز كليا على حل مسألة البطالة. فاستثماراته جد محدودة ولا تشمل سوى أنشطة ذات ربح كبير وسريع، مقابل تكاليف جد محدودة. وليس لديه من وسائل سوى زعزعة شروط العمل وضمان الليونة كما يدَّعون، وتحديد مناصب الشغل حسب ضرورات الربح. إن كل خطابات الباطرونا تبدو بديهية: «التشغيل يعني تحملات اجتماعية زائدة، سيكون من الأفضل أن نسرح أعدادا متنامية من العمال، وأن نخفض الأجور، وأن يعمل أكثر لكي لا تفلس المقاولة ونضطر لإغلاقها…» أمّا الاستثمارات الخارجية، فهي لا توجد لخلق مناصب الشغل، بل لاستكمال دورة أرباحها التي تتأتى من نهب القطاع العام، والاستفادة من الأجور المنخفضة في إطار استراتيجية المنافسة العالمية.
ها نحن إذن أمام وضعية لم تعد فيها الدولة تشغل أحدا، ولم يعد فيها القطاع الخاص في حاجة إلى مجازين لا في الآداب ولا في الفيزياء أو الكيمياء، الخ. وحيث الخضوع إلى ضغوطات السوق العالمية سيؤدي إلى تدمير قطاعات كاملة من الاقتصاد وإلى احتداد الأزمة مع ما تعنيه من تهميش وحرمان وبطالة واستغلال كثيف.
إن بطالة حاملي الشهادات لا تعكس سوى سيرورة بلترة قوة العمل الذهنية، حيث غدا لها نفس مصير قوة العمل اليدوية، مساهمة بذلك في تدعيم صفوف جيش العاطلين، وذلك في إطار وضعية تمثل فيها حياة أوسع الفئات الشعبية إلى تإنحدار، وفي الوقت الذي تتركز فيه العائدات وتملك الثروات في الجانب الآخر. إننا كعاطلين حاملي الشهادات نندرج ضمن منطق أكثر شمولية تبدو من خلاله أزمة الرأسمالية أكثر فأكثر عجزا على تلبية الحاجيات الاجتماعية الأكثر بدائية.
2)- تدهور موازين القوى على حساب الجماهير الشعبية
ومن جهة أخرى، توجد الحركة العمالية والجماهيرية في وضعية دفاعية. فحتى النضالات العمالية الأكثر حزما بقيت معزولة. لم يعد هناك رد فعلي في المستوى الهجومات، نظرا من جهة، لسلبية القيادات البيروقراطية النقابية التي أصبحت تتبنى أكثر فأكثر نهج «الواقعية»: التسيير الجماعي للأزمة باسم الحوار الاجتماعي الذي ليس له من نتيجة سوى إحباط القاعدة وشلها دون الحد من هجومات البورجوازية، ومن جهة أخرى، لشبح التسريحات وتعنت الباطرونا أمام كل حركة احتجاجية.
أمّا الشبيبة فقد رأت كل الطموحات نحو الاستقلال الذاتي والمادي، وكذا إمكانية اختيار مستقبلها رهينة الأزمة الحالية ورهينة سياسات البرجوازية السلطوية، في الوقت الذي تفتقد فيه إلى كل أداة للنضال. فالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، المشلول عمليا منذ سنتين، ما زال يرزح تحت ثقل أزمته ونتائج القمع المتتالي وصراعات الأجهزة والإنفصال المستديم فيما يخص العمل الجماهيري. وبقيت الحركات الاجتماعية، رغم نضالها من أجل السكن والنقل والأرض، جنينية ومحلية وعفوية في أغلب الأحيان. وعلى الصعيد السياسي، ليس هناك أي معبر خاص عن المستغَلين والعالطلين والمحرومين من النساء والشباب في هذا البلد يكسب ثقلا حقيقيا في النضالات الطبقية وفي الحركات الاجتماعية ويحدد مشروع تغيير جذري للمجتمع.
في هذا الإطار العام تندرج الوضعية الدفاعية للجماهير الشعبية، وأصبح فيه منطق الحفاظ على الحياة هو السائد نتيجة البطالة، مما يضعف قدرات النضال الجماعي، ويسمح بالتالي للبرجوازية في إطار سعيها إلى التكيف مع العولمة الليبرالية لسحق هذه الجماهير أكثر. إن هذه الوضعية هي التي يجب أن نتفحصها مليا: فالباطرونا ودولتها ترفضان تقديم تنازلات ولو جزئية، وتسعيان إلى تعميق سياستهم الطبقية. هكذا فـ«الحوار الإجتماعي»، الذي ليس سوى مجموعة من التنازلات الزائفة والتي جرى التراجع عتها، وكذا مشروع مدونة الشغل التي ترسي الأسس القانونية لعدم استقرار الشغل، وللتسريح وتعميم الموقت، ولضرب الحريات النقابية ومكتسبات الحماية الاجتماعية الهزيلة أصلا، الخ، ليسا سوى إرساء قانوني لميزان القوى الحالي. هكذا فقدنا، سواء كعاطلين أو كعاملين،كل حق في إبداء رأينا حول شروط حياتنا.
إذن، في غياب ميزان قوى اجتماعي حول مسألة التشغيل من جهة، ونظرا للطبيعة الطبقية للسياسة الحالية من جهة أخرى، سيكون من الوهم أن ننتظر أي التفاتة من طرف النظام اتجاهنا. فهو سيسعى إلى نهج سياسة القمع بالتوازي مع حرب استنزاف على قاعدة سلسلة من الوعود لربح الوقت، ودون أن يمنح أي شيء حتى يصل إلى هدفه في تحطيم عزيمتنا وإصرارنا. هذا إضافة إلى أن جمعية مثل جمعيتنا لا تملك القدرة النضالية على عرقلة القوة الاقتصادية والمادية للبرجوازية، مادامت غير منغرسة في سيرورة الإنتاج. هذا لإضافة أيضا إلى أن النظام يعرف جيدا أن مشروعيتنا وقدرتنا على بناء منظماتنا نستمدها من تحقيق مكاسب ملموسة. ولن يمنحنا ما سيساعدنا على تقوية صفوفنا!
هل يعني هذا استحالة أي شيء؟
3)- استراتيجيتنا العامة
ليس من حل حقيقي وفعلي لمسألة البطالة في إطار النظام الاقتصادي والاجتماعي الحالي. وهذا ما يتطلب تعديل موازين القوى الاجتماعية للإطاحة بنظام الاستغلال والربح ومعه الطبقات التي تغتني منه، وبناء مجتمع مبني على تلبية الحاجات الاجتماعية لكل المنتجين الأحرار.
لكن، وبالارتباط مع هذا الهدف الشمولي، علينا أن ندعم ونقوي كل الإمكانيات للحصول على مكاسب جزئية. ويتطلب هذا إعادة تحديد دقيقة وواضحة لاستراتيجيتنا الإجمالية. وتكمن مهمتنا الأساسية في توسيع قواعدنا النضالية، وذلك عرا:
1) الوحدة النضالية مع الشباب
- التنظيم الفعلي للعاطلين حاملي الشهادات. ويتطلب هذا الأمر تنظيم تدخلنا بشكل مستمر ودائم في الوسط الطلابي الذي يفرخ كل سنة عشرة الآلاف التي ستلتحق بجيش المحرومين والمهمشين دون أي ارتباط بجمعيتنا. فمسألة البطالة يجب أن توجد في قلب الجامعات.
- يجب على الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعلين بالمغرب أن تصبح في نفس الوقت جمعية لكل الشبيبة التي هي عرضة للبطالة والحرمان والتهميش. يجب علينا أن نتجاوز نظرتنا الضيقة والتي تتمثل في أننا نملك الأولوية في التشغيل مادمنا حاملين لشهادات! فبالنسبة للبرجوازية، ليست لنا نفس الأولوية التي لدى الذي أو التي لم يتوفر أبدا على إمكانية ولوج المدرسة. ولمواجهة هذه البرجوازية، تكمن قوتنا في وحدتنا، وليس في انقساماتنا التي ستسمح لها بتهميشنا كلنا بهذه الدرجة أو تلك. لهذا لابد لنا من محور بناء جمعيتنا حول تشكيل لجان النضال من أجل الحق في الشغل، وذلك في الأحياء الشعبية وفي الجامعات.
2) الوحدة مع العمال
إن نضالنا يجب أن ينصب في اتجاه توسيع جبهة النضال لتشمل كل المستغَلين والمأجورين. فنحن نوجد خارج سيرورة الإنتاج، ويجب علينا بالتالي أن نبني بشكل واع تحالفا مع الجماهير الكادحة، لأننا بدونها لن نتمكن من خلق ميزان قوى حاسم أمام هجومات الباطرونا ودولتها. إن عدونا واحد، وكلما احتدت البطالة واتسعت رقعة عدم استقرار الشغل وتراجعت المكتسبات في أوساط العمال، كلما تدهورت شروط حياتنا وصعب نضالنا. إن هذا الرهان يكتسي طابعا حاسما مادامت البطالة الجماهيرية لحاملي الشهادات قد تترافق مع التسريحات الكثيفة في المؤسسات في الحقبة القادمة. ففي غياب هكذا تحالف، والذي يجب أن يقوم على أساس النضالات والمطالب، لن يواجه العدو الطبقي سوى مقاومة مشتتة ومبعثرة، وسيكون من السهل عليه أن يعزلها ويخنقها. إن كل هذه الإهتمامات يجب أن تترجم في مطالبنا النضالية.
4)- مطالبنا النضالية
- حق الجميع في الشغل
- إلغاء كل الساعات الإضافية لكافة أصناف رجال التعليم وتعويضها بمناصب شغل
- التحديد المباشر والشامل لساعات العمل في 35 ساعة في كل من القطاع العام والقطاع الخاص. لنعمل أقل ليعمل الجميع!
- إلغاء كافة الديون ورصد الأموال للميزانيات الاجتماعية ولخدمة سياسة التشغيل وسياسة تعليمية تخدم أوسع الفئات الكادحة
- برمجة الميزانية بحيث تشتمل على قانون عضوي يحدد مناصب الشغل بشكل يسمح بإدماج كل العاطلين آنيا ومستقبلا
- مخطط استعجالي لخلق 10 آلاف منصب شغل لملأ الوظائف الشاغرة التي خلفها خروج الموظفين في الوظيفة العمومية إلى التقاعد النسبي
- إلغاء مشروع مدونة الشغل الذي يشرع الاستغلال الكثيف والبطالة
- تعويض معمم عن البطالة لكل العاطلين يتناسب مع تكاليف العيش
- ترسيم وإدماج كل المتدربين والمؤقتين والعاملين في إطار الخدمة المدنية وذوي عقود شغل المحدودة الأجل
- إيجاد مراكز للتكوين ومحو الأمية في الأحياء الشعبية.
إن هذه اللائحة المطلبية ليست شاملة، بل يجب إغنائها وتدعيمها وأن تترجم إلى فعل جماهيري حقيقي منظم على مستوى البلاد كلها نفسا وزخما لكل تدخلاتنا، كما يجب أن تكون مرفقة بنشرة مركزية للتحريض والتحسيس. لقد شكل كل من التعاطف الشعبي العفوي مع نضالاتنا وصعود العائلات الصحراوية للمطالبة بالشغل مؤشرا على أن طاقة نضالية موجودة كمونا وعلينا أن نساهم في تفجيرها. إن تشكيل حركة تضامنية من عائلاتنا يجب أن يكون في صلب اهتماماتنا بالتوازي مع تحويل جمعيتنا إلى حركة نضالية واسعة ضد البطالة.
يستدعي هذا المسعى مشروع البناء على المدى الطويل، كما يستدعي رؤية شمولية، عوض تسيير وإدارة نشاطاتنا حسب الآجال التي يفرضها علينا النظام. يجب أن نتميز بهوية نضالية بما في ذلك شعارنا المركزي. ليس هناك من حوار مع أولئك الذين تشكل لهم البطالة شرط تحقيق أرباحهم ويواصلون هجومهم على مصالح الجماهير الشعبية. فأي موقف مسؤول ننتظر منهم؟ لتنفيذ وعودهم عندما يكون وعدهم الوحيد الهراوات دون منح أي شيء؟ كفانا وعودا، فنحن نطالب بحقوقنا ضد حكومة التهميش والحرمان، حكومة الباطرونا. فنحن لم نعد نرغب في التفاوض بمطالبنا!
- حق الشغل للجميع وذلك عبر النضال ووحدة العاطلين والشباب العامل
- لا لمجلس خداع وتضليل الشباب
- فلتسقط حكومة القمع والهراوات، حكومة التقشف والبطالة
- من أجل حقنا في التنظيم، من أجل الحريات الديموقراطية ضد الإستبداد!
ربما تبدو هذه المطالب راديكالية. ولكن، أليست الحكومات المتعاقبة مفرطة في تعنتها؟ إنه لمن الضروري أن نظهر أنفسنا للجماهير وليس للحكومات البرجوازية، وأن نمتلك خطابا يعبر عمّا نريده وكيف سنحصل عليه وضد من نناضل إنتزاع حقوقنا المشروعة.
5)- بصدد بعض الأحزاب
هناك تقليد بدأ يترسخ في صفوف جمعيتنا. تجر المعاملة مع أحزاب الكتلة بنوع من الالتماس والاستجداء والدعم والشكر. لا ننكر استغلال كل الفضاءات الممكنة للتعريف بنضالاتنا بكل استقلالية. لكننا لا ننكر كذلك مسؤولية هذه الأحزاب ودورها في الحفاظ على الوضع القائم. فلا يتعلق الأمر بنكران وجودها. إلاّ أنه يجب البحث عن جذور المشكل في كون هذه الأحزاب الليبرالية لا تملك أي إرادة نضالية وهي مستعدة لتسيير الأزمة مع الحرص على عدم الإخلال بـ«التوازنات الجوهرية»، أي تسيير الأزمة لصالح المالكين. إنها تخشى الجماهير أكثر مما تخشى الرجعية. ويمكن أن نجزم على أنها عندما تحصل على حقائب وزارية، لن تجد أي حل لمسألة البطالة ولن تفعل أي شيء عندما ينزل الحكم الفعلي علينا بهراوته. لماذا إذن نصفهم بالحلفاء؟ إن كان هناك تحالف، فمن الأفضل أن نتكلم عن «اتفاقات» ظرفية تتعلق بمطالب نضالية ملموسة تترجم إلى وحدة العمل وإرادة النضال، وليس حول عبارات فضفاضة أو نيات أو خطابات أو وعود انتخابية! لأن الخطر يكمن في نسياننا بأنه يجب البحث عن حلفائنا الحقيقيين في مكان آخر، أي في الشرائح الباطنية لمجتمعنا، كما أنه يكمن في تحديد مبادراتنا وتحريضنا ونضالنا وفق ما يمكن أن يرد من هذه أو تلك من الأحزاب «الإصلاحية دون إصلاحات»!
6)- ماذا عن التضامن الأممي
يوجد بأوروبا خصوصا عدد من الجمعيات التي تناضل ضد البطالة (A.C. ! بفرنسا مثلا) والتي يمكننا أن نعقد معها علاقات أخوية ونضالية، مما سيشكل تدعيما لتبادل التجارب ويساهم في دعمنا إعلاميا. ليس من المنظور الإعلامي الضيق (الإعلام على صعيد الرأي العام الخارجي)، ولكن من منظور أكثر اتساعا حيث يتم الرهان على تطوير فروع التضامن النضالي الأممي. وفي نفس سياق الأفكار، هناك لجنة تتشكل من مناضلين من مختلف القارات يناضلون من أجل إلغاء ديون «العالم الثالث»، وتتضمن في صفوفها بعض المنظمات الاجتماعية والثقافية والسياسية الموجودة في كل القارات، تناضل أساسا ضد النتائج الاجتماعية لسياسة التقويم الهيكلي. هذه فقط بعض الأفكار والطرق الممكنة، وعلينا أن نتحلى ببعد النظر.
7)- الديموقراطية والتعددية
1)إن جمعية مثل جمعيتنا ليست في مأمن من خطر التبقرط. وإذا كانت هذه الظاهرة لم تتبلور بعد، إلاّ أن الأمر يتعلق بإرساء التقاليد الكفيلة باتقائها لنتفادى تكرار تجارب عديدة كانت قد حركتها في البداية إرادة نضالية.
إن وعينا النضالي ونشاطنا الجماعي يشكلان سلاحنا الوحيد، وكلاهما مرتبطين أوثق الارتباط، ويتعلقان بنوعية مشاركة ومساهمة كل أعضاء الجمعية في حياتها الملموسة. وتعد الديموقراطية الشرط الضروري لذلك. وهذا ما يفترض القدرة على استماع رأي الآخر والاحترام المتبادل وسيادة روح الرفاقية، وفوق كل هذا، قدرتنا على تعليم ممارسة جماعية حقيقية.
من هذا المنطلق، يجب أن نعيد تقدير دور الجموع العامة التي تعقدها جمعيتنا. يجب أن تكون هذه الجموع حقلا حقيقيا للإعداد وللنقاش واتخاذ لقرار، وذلك بشكل جماعي، بحيث لن تكون فيه القيادة، المنتخبة والقابلة للعزل في كل لحظة بمجرد قرار من الأغلبية، سوي هيئة تنفيذية. وهذه الأمور لها الأولوية القصوى بشكل خاص إبان المعارك النضالية. فخلال هذه الأخيرة، يجب أن تعقد الجموع العامة يوميا لرصد كل الخطوات النضالية ونقاش واتخاد القرارات فيما يخص آفاقها. كما أن القيادة الوطنية في كل تعبئة جماعية لا يجب أن تتوفر على شرعية خاصة بها، بل القاعدة الجماهيرية المناضلة هي التي يجب أن تسير وتقود نضالها الخاص. لا ننقص هنا من دور القيادة، ولكننا نعيد تحديده بحيث يجب أن يضمن تنظيم الجموع العامة وينفذ القرارات، كما يلزم أن يكون أعضائها مسؤولين أمام القاعدة ويكشفون الحسابات لها. هذا هو شرط تشكل قيادة نضالية منغرسة في ممارسة جماعية وخلق علاقات وطيدة ونشيطة بين المعطلين وجمعيتهم.
إننا ننطلق من قناعة بسيطة: كلما شاركت القاعدة في الإعداد وفي القيادة الملموسة لنضالاتها على كافة المستويات، كلما تطورت طاقة النضال وتبلورت القوة الجماعية لخوضه. ربما يقول بعض الرفاق بأن القاعدة «انتهازية» و«سلبية» و«انتظارية»، الخ. هذا التأكيد صحيح ومغلوط في آن واحد: فهو صحيح، مادام هذا المجتمع المرتكز على المنافسة والاضطهاد والقمع لا يساهم بشكل عفوي في فتح المجال لأخذ الكلمة والمبادرة والانخراط النضالي، وفي خلق حس العمل الجماعي. وهو مغلوط، عندما نعتبر بأن وعي كل واحد وواحدة منا محدد سلفا وبشكل نهائي، في الوقت الذي يرتبط فيه بفعالية الميكانيزمات الديموقراطية التي تسمح بالتعلم الجماعي للنضالات والتدخلات والإلمام بكل مشاكلها الملموسة وسبل تجاوزها للسير قدما. فهل سننتظر المعجزات عندما تفتقد القاعدة لمشروع التوجه العام ولمشروع البناء للمساهمة في النقاش والفهم الجماعيين لمهام ونتائج المعارك النضالية وآفاقها؟ وهل سنتفادى الإحباط وعدم الإستعداد النضالي مادامت هذه القاعدة تتفرج في النقاش بين «الزعماء» دون التحكم في رهاناته وفي علاقاته الفعلية بنضالاتها؟ إننا بهذا سنعيد إنتاج هذا المرض الطفولي الكلاسيكي، حيث يحل «الزعماء» محل التفكير الجماعي وحيث ينسى «المناضلون» و«الأطر القيادية» بأن القاعدة هي التي تشكل حقل التربية والتكوين النضاليين، وحيث يحل تخويل صلاحيات القرار محل المراقبة الدائمة، الخ.
بالنسبة لجمعيتنا، تكمن قوتنا في توسيع قاعدتنا وفي تعبئتها، وفي الكفاح الذاتي وفي جعل القاعدة المسؤولة الوحيدة، ولن تكمن أبدا في قيادة كيفما كان وعيها وتجربتها.
من وجهة النظر هذه، يجب أن لا يكون المؤتمر مجرد منبرا لنقاشات شكلية. ونحن لا نتفق بتاتا مع الطريقة الحالية في الإعداد له. ففكرة الأوراق المحلية التي يممركزها جهاز مركزي يعمل على تركيبها (وعلى أية مقاييس؟)، وحتى لو جرى نقاشها داخل اللجان، ليست سوى نظرة شكلية لممارسة الديموقراطية. إن التوجه العام لا يكمن في عملية جمع ميكانيكية لوجهات النظر المحلية، لكنه يتبلور من خلال نقاش الرهانات الإجمالية والأهداف الجماعية. على القيادة أن تقدم حصيلة نشاطها ومشروعا للتوجيه والبناء، ولا يجب أن ترى في الحصيلة وسيلة لتقديم شهادة الإرضاء الذاتي أو لتصفية حسابات ما، ولكن أن تتفحص من خلالها، بكل وعي وإدراك، الخطوات التي جرى القيام بها، والمكاسب التي حصلنا عليها، ثم مكامن ضعفنا والوقوف عندها بغية إصلاح أخطائنا والعمل على تجاوزها. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تسمح بالفهم الجماعي لمعاركنا النضالية واستخلاص دروسها واستيعاب تجربتها لإعداد القادمة بشكل أفضل.
إن وجهات النظر المحلية ممكنة، لا بل ضرورية. لكن المطلوب هو تنظيم النقاش على المستوى الوطني. فوجهة نظر محلية ضرورية جزئيا عندما يتعلق الأمر بتحديد الآفاق العامة التي يجب أن يساهم الكل في نقاشها. في غياب هذه الشروط الأخيرة، لن تستمد القيادة مشروعيتها سوى من نفسها وسترتكز، ليس على المقاييس الجماعية التي تنبثق من القاعدة، بل على مقاييسها الخاصة في التحليل والتوجيه.
لهذا، لا بد من إيجاد نشرة للنقاش الداخلي تتضمن كافة الإقتراحات والمشاريع، توزع على كافة الفروع التي ستناقشها لإستخراج كافة السبل الممكنة وإخضاعها للتصويت مع التمثيل النسبي في قيادة المؤتمر. هذه الأخيرة، كما أسلفنا الذكر، يجب أن تناقش أمام الجموع العامة الحصيلة والتوجيهات المقترح، ومواصلة هذا النقاش داخل اللجان إذا ما استدعى الأمر ذلك.
2) إن مبدأ التعددية أمر جد حيوي في الوقت الذي نناضل فيه من أجل هدف واحد. إلاّ أنّ بعض الرفاق يبدون تخوفا من أن تعيد الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب تجربة الحركة الطلابية، حيث الخلافات الداخلية والبحث عن الوصول إلى الأجهزة بأي ثمن يهيمنان على إرادة إيجاد فعل نضالي وبناء منظمة جماهيرية. ويتسائل البعض الآخر، ربما نفس الرفاق أحيانا، عمّا إذا كان «التوافق» يتضمن ممارسة تُستعمل من خلالها الجمعية كذريعة لتدعيم هذا المشروع السياسي أو ذاك، الخ. لا يتعلق الأمر بإصدار أحكام مبنية على الخلفيات. فالمشكل يبدو أكثر تعقيدا. فمن جهة، لا زالت النضالات من أجل الشغل محدودة الزخم وتشكل حقلا جديدا من حيث التجربة النضالية في المجتمع، وكل هذا في إطار ميزان قوى ليس في صالحنا. ومن جهة أخرى، هناك تكتيك النظام الذي يسعى لعزلنا وخنقنا. من هذه الزاوية، لا تبدو مهامنا والمشاكل المرتبطة بالتوجه والبناء بسيطة. بالطبع، لا بد من الإختلافات في الرأي. فجمعية تغيب الاختلافات في صفوفها هي جمعية مفصولة عن واقع النضالات الملموسة، حيث تطرح آلاف المشاكل التي لا تمتلك دائما حلولا بديهية وتستلزم اختيارات تكتيكية مختلفة! لهذا لا يجب أن نبدي أي تخوف من وجود الفصائل والتوجهات، ومن حقها الدفاع عن وجهة نظرها بشكل منظم، مادامت نقاشاتنا تستمد أصولها من إرادة جماعية لبناء منظمة جماهيرية ومكافحة، ومادام الأمر لا يتعلق بالحصول على مناصب قيادية والحفاظ عليها، ولكن يتعلق بالدفاع عن الخيارات الممكنة بشكل ديموقراطي وفي شفافية تامة. هكذا، لابد من ارساء تقاليد الحسم عبر التصويت وتقييم التجربة وتقديم الحصيلة والنقاش الحر والتمثيل النسبي لوجهات النظر، وذلك لتفادي كل الشبهات والخلفيات وبالخصوص، لإيجاد مشروعية تستمد أسسها إنطلاقا من توجهات تطرح مشاريع البناء والوسائل الكفيلة بضمان تنظيمنا وخوض نضالاتنا بشكل أفضل وتقبل بالحكم وقرار الممارسة والنقاش.
أكتوبر 1996.

ليست هناك تعليقات: