لماذا هذه المدونة؟

نضع بين أيديكم في هذه المدونة محتويات الأعداد الستة من نشرة فرع أكادير "المعطل(ة) المكافح(ة)" وهي تدل على المجهود الإعلامي الذي بدله الفرع للمساهمة في خلق إعلام كفاحي تقوده الجمعية الوطنية. كما يأتي هذا الإصدار للتأكيد مرة أخرى على ضرورة استمرار النضال من أجل بناء جمعية للمعطلين جماهيرية كفاحية مستقلة والعمل من أجل النضال المشترك مع كل ضحايا البطالة ومن أجل توفر جمعيتنا على إعلام كفاحي ومستقل يرفع عنها الحصار ويكون منبرا لنقاشنا الداخلي. كما نجدد التأكيد أن لا مستقبل لجمعيتنا في غياب ترسيخ تقاليد الديموقراطية الداخلية.


الأحد، 5 دجنبر 2010


عناصر لتقييم التجربة الإعلامية لجمعيتنا

(مسيرة 26 أكتوبر الوطنية نموذجا)
منذ بداية القرن 19 إلى حدود الآن، أعطت المنظمات الجماهيرية أهمية قصوى لترسيخ إعلام مضاد للإعلام السائد. ومنذ ذلك الحين، اعتبر الجانب الإعلامي في نضال الحركات الاجتماعية المؤشر الأكثر وضوحا على مدى قوة أو ضعف أي حركة أو منظمة جماهيرية. فبواسطة الإعلام الكفاحي يتم التصدي للحرب الأيديولوجية التي تشنها البرجوازية، كما يتم حشد وتقوية عزيمة الجماهير الواسعة. إعلام كهذا، يمنح هذه الأخيرة وضوح الرؤيا والأهداف ويعزز آمالها في الانتصار. بخلاصة، إنه يساهم على الارتقاء بوعيها السياسي ويعد إحدى الشروط الحاسمة في الصراع الإجتماعي.
هكذا، فغياب الإعلام الكفاحي يسهل تغلغل الأفكار الرجعية في صفوف هذه المنظمات، وهو ما يعمل على تغليب النزعة الفردية في إيجاد الحلول بدل التكتل الجماعي للمطالبة بالحقوق وتنظيم المقاومة الجماعية. كما أنه في غياب إعلام كهذا، يستحيل مراكمة التجربة والحفاظ عليها ومركزيتها قصد استخلاص الدروس. إن مهمة الإعلام بالنسبة لحركة جماهيرية كحركة المعطلين بالمغرب، هو بالضبط العمل على الرقي بالوعي السياسي. وهذا يعني إدراك جماهير المعطلين (وحلفاؤهم) أن السبيل الوحيد للحد من البطالة هو شن النضال ضد مجمل السياسة الحكومية المرتكزة على التقشف وللبرالية المتوحشة أي أن الظفر بالحق في الشغل يستلزم النضال من أجل إلغاء تسديد الديون، ومن أجل الحد الجذري لساعات العمل الإضافية وإلغاء الوظائف المزيفة، والتقليص الجذري لأجور الموظفين الكبار، الخ. كما يستوجب النضال ضد انسحاب الدولة من القطاعات الاجتماعية وضد تسريح المال كما ضد الخوصصة، الخ. بكلمة، إن مصلحة حركة المعطلين مرتبطة بالنضال ضد سياسة الدولة الليبرالية. وتكمن مهمة الإعلام الكفاحي في مساعدة المعطلين على بلوغ هذا المستوى من الإدراك. ولابد هنا من استحضار مقررات مؤتمر جمعيتنا الرابع التي تسير في هذا الإتجاه، حيث إشارة إلى أن إحدى آفاقها البرنامجية تكمن في «النهوض بالجوانب التكوينية والإشعاعية والإعلامية للرقي بوعي المعطل بقضيته أولا وتحسيس الرأي العام بها، وتوسيع دائرة الدعم ثانيا…».
 ما الذي راكمته الجمعية لحد الآن بصدد تجربتها الإعلامية؟
يقتضي الجواب على هذا السؤال تقييما عاما لتجربة الجمعية منذ تأسيسها، وهو عمل ضخم يتجاوز حدود مجهود فردي. لذا سأحاول أن اركز على إحدى المحطات النضالية الكبرى التي عاينتها، ألا وهي المسيرة الوطنية ليوم 26-27 أكتوبر 1998.
1)- الإعداد للمسيرة الوطنية
كان من المفروض أن تشكل المسيرة تتويجا لبرنامج إشعاعي وتعبوي يهدف إلى «التدخل الواعي» لدى الحلفاء الاجتماعيين لتعبئتهم ليس للمشاركة في المسيرة فقط، وإنما لتبني الأهداف والمطالب التي ترفعها الجمعية والنضال من أجلها في أماكن تواجدهم. فتبني هذه الأهداف والمطالب يعد إحدى الشروط الضرورية لتحقيق الوحدة المنشودة بين ضحايا البطالة. فإذا كانت المسيرة أول شكل نضالي جماهيري منظم منفلت من قبضة البيروقراطيات النقابية، فهي بحد ذاتها كانت ستأخذ كل بعدها الرمزي بأن تصبح مثالا للإقتداء يساهم في توجيه النضالات القادمة لكل الفئات الاجتماعية في سيرورة وحدوية. غير أن عامل القمع، بالإضافة إلى غياب الإعداد للمسيرة على ضوء المقررات التوجيهية للمؤتمر الرابع أعاقا هذه العملية.
ورغم ما برهن عليه أقرب حلفائنا (الحركة الطلابية) من حماس واستعداد للمشاركة، فإن حضور «نخبة» من المناضلين دون أي شكل تنظيمي يجمعهم كحركة طلابية –على الأقل على مستوى كل وقع جامعي على حدة- أفقد المسيرة ذلك الطابع الرمزي. كما أنه من جهة أخرى، جعل مشاركة هؤلاء المناضلين معزولة عن أوسع الجماهير الطلابية. كان من جهة أخرى، جعل مشاركة هؤلاء المناضلين معزولة عن أوسع الجماهير الطلابية. كان بإمكان الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب أن تتفادى حدوث ذلك لو توفرت لدى قيادتها الإرادة الفعلية «للتدخل الواعي» لدفع الحركة الطلابية لتبني مطالب تلتقي مع مطالبنا وأشكال تنظيمية أولية حسب المواقع والظرفيات. ألم يكن بإمكاننا مثلا إقناع الحركة الطلابية بتبني «لجان طلابية للإعداد للمسيرة الوطنية» تنبثق من جموعات عامة بعد نقاشات جماهيرية لسبل النضال ضد البطالة؟ ألا يحق لنا أن نتساءل لماذا لم تباشر الجمعية عمليا ترجمة روح تصورها العام:
«على الجمعية أن تقود تدخلا واعيا إلى جانب كل القوى المناضلة الأخرى عبر صياغة دقيقة وواضحة لأرضية مطلبية تكتف مهم نضال مشترك».

إننا ندرك حجم الصعوبات التي ستحول دون إنجاز هذه المهمة في الوقت الراهن، خاصة في العلاقة مع الحركة العمالية الواقعة تحت سيطرة البيروقراطية النقابية. لكن الحركة الطلابية تحبل بإمكانات هائلة للعمل المشترك، وقد قدمت البرهان على ذلك بحضور بعض المناضلين في المسيرة بلافتات تمثل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب وبيانات تضامنية.

فلماذا لا نبدأ العمل من هنا؟
2)- ما بعد المسيرة
إن المعطلون –شأنهم شأن أي حركة جماهيرية- سيحصلون على كامل ثقافتهم السياسية من المعارك النضالية التي يخوضونها ضد السلطات الحكومية، سواء محليا أو مركزيا. لكن، هذا مشروط بتدخل إعلام ممركز يعمل على بلورة تجربة جماعية واستخلاص دروسها ونشرها بين المعطلين.

وكانت مسيرة 26 أكتوبر حدثا نضاليا كبيرا لكونه لم يقتصر فقط على لفت انتباه المعطلين وحدهم، وإنما أيضا حلفائهم الاجتماعيين الذين كانوا سيعتبرونها قدوة ومثالا. ومن هنا أهمية تنظيم تشهير سياسي يجيب على التساؤلات التي بدأت تطرح مباشرة بعد القمع البوليسي للمتظاهرين: لماذا قمع المعطلون بهذا الشكل الشرس؟ ولماذا أصر الحاكمون على ضرب أبسط الحريات الديموقراطية في مجزرة رهيبة غير مبالين بعيون الرأي العام المحلي والدولي؟ كان الجواب على هذه الأسئلة البسيطة ستشكل مدخلا لتسليط الضوء على حقيقة الحكومة الحالية وأهدافها الطبقية. فإذا كان الاستبداد قد أصر على توجيه ضربة قاضية لجمعيتنا لتكسير شوكتها النضالية وإرجاعها خطوات إلى الوراء، كان لنا أن نصر أيضا وأن ننتهز الفرصة للرد النضالي واستخدام سلاح التشهير السياسي. وهنا يتأكد تقاعس قيادة الجمعية في عدم إيلاء أي اهتمام بالجانب الإعلامي إبان وبعد المسيرة.
توفرت لنا إمكانيات عديدة، منها مثلا:
-النقاش حول قانونية الجمعية كان مناسبة للقيام بتشهير سياسي يفضح الطبيعة الرجعية للقوانين في مجتمع طبقي تهيمن فيه البرجوازية

-النقاش حول الجهة المسؤولة عن القمع كان فرصة للكشف عن الطبيعة الاستبدادية للحكم القائم، وعن فقدان أي حكومة كيفما كان لونها السياسي لسلطة القرار الفعلي وعن كونها مجرد دمية، وعن استحالة تحقيق الحريات الديموقراطية دون قلب موازين القوى الحالية عبر بناء حركة جماهيرية سياسية واسعة
غير أن التشهير لا يجب أن يتغافل عن توجيه انتباه مناضلي الجمعية لمدى ضعف حركة المعطلين وحداثة تجربتها، ثم عجزها على تشكيل قوة ضاغطة مادامت غير مرتبطة بقوى اجتماعية منغرسة في سيرورة الإنتاج، وبالتالي يكون لها وزن اقتصادي.
تنعكس استهانة القيادة الحالية بالجانب الإعلامي ودوره الحاسم في تفكيك الحصار المطبق على جمعيتنا في مجالات أخرى:

-النشرة المركزية:
منذ إصدار العدد الأول من «صوت المعطل»، لم تعمل القيادة وفق خطة لحث الفروع والمناضلين على إعداد نواد العدد الثاني وتحديد أجل لذلك. هذا علاوة على ضعف عملية توزيع العدد الأول وعدم تشكيل ورشات لنقاش مضامينه. كأن الجمعية تفتقد لطاقات قادرة على الكتابة، وأغلب قواعدها من ذوي الشهادات العليا! أو كأنها لم تعد بحاجة إلى نقاشات في صفوفها!

-التوثيق:
لم تقم القيادة بأي تقرير توثيقي للمعارك الوطنية أو المحلية مرفق بتساؤلات وعناصر تقييمية أولية، يشكل مرجعا لفروع الجمعية لتقييم نضالاتها وتقديم مقترحات، وبهذا الصدد، نتساءل عن دور وجدوى وجود لجنة الإعلام المنبثقة من المجلس الوطني والتي يشرف عليها المكتب التنفيذي؟ لم يوضح المؤتمر الرابع دور لجنة الإعلام ومهامها بشكل دقيق، لذا وجب إعداد ورقة حول الإعلام تكون ضمن مشاريع الأوراق المقدمة إلى المؤتمر الخامس.
مسألة أخرى تكرس ما قلناه سابقا، وهي عدم قيام المكتب التنفيذي بأي تقرير مفصل حول نتائج الحوارات الأخيرة مع الحكومة وما العمل؟ بل إن العديد من جلسات الحوار تظل أسرارا يحتفظ بها المكتب التنفيذي، مستهترا بذلك بقواعد الجمعية وممارسا لبيروقراطية صريحة.

-الإعلام المحلي:
غياب تشجيع التجارب الإعلامية المحلية عبر نشرها والتعريف بها على أوسع نطاق.

تهدف هذه الأفكار إلى المساهمة في النقاش الدائر بين مناضلي الفرع المحلي حول تقييم المسيرة الوطنية، وإن كان هذا النقاش جنينيا أو حتى منعدما في أغلب الفروع، فهو مؤشر إضافي على مدى تأخر حركتنا. إن المجلس الوطني نفسه لم يَرَ داعيا لطرح التقييم على جدول أعماله (رغم مرور أكثر من أربعة أشهر).
فكيف الحفاظ على التجربة في غياب استخلاص جماعي للدروس؟ سنعيد أخطاء تجربة 26 أكتوبر، وربما على شكل مهزلة، إذا لم نتدارك الأمر وفتحنا نقاشا تقييميا جادا.
فبراير 99.
هـ-ش

ليست هناك تعليقات: