لماذا هذه المدونة؟

نضع بين أيديكم في هذه المدونة محتويات الأعداد الستة من نشرة فرع أكادير "المعطل(ة) المكافح(ة)" وهي تدل على المجهود الإعلامي الذي بدله الفرع للمساهمة في خلق إعلام كفاحي تقوده الجمعية الوطنية. كما يأتي هذا الإصدار للتأكيد مرة أخرى على ضرورة استمرار النضال من أجل بناء جمعية للمعطلين جماهيرية كفاحية مستقلة والعمل من أجل النضال المشترك مع كل ضحايا البطالة ومن أجل توفر جمعيتنا على إعلام كفاحي ومستقل يرفع عنها الحصار ويكون منبرا لنقاشنا الداخلي. كما نجدد التأكيد أن لا مستقبل لجمعيتنا في غياب ترسيخ تقاليد الديموقراطية الداخلية.


قضايا نظرية حول البطالة


البطالة: أسبابها وأشكالها

1/ كيف يعرف مفكرو البرجوازية البطالة؟

 تسعى كل الإحصائيات البرجوازية المتعلقة بالشغل إلى تشويه الواقع الموضوعي وتمويه ظاهرة البطالة التي أصبحت تكتسي طابعا جماهيريا في أغلب البلدان الرأسمالية. وتهدف معاييرها فيما يخص وضعية البطالة إلى استخراج معدلات طفيفة «مقبولة» لتزييف حقيقة تضخمها الفعلي.
فحسب المقاييس الدولية بشكل عام يعتبر عاطلا كل إنسان:
أ- يتوفر على الكفاءات لممارسة أي نشاط
ب- لا يزاول أي نشاط
ج- يسعى للبحث عن عمل
ويستثنى من هذا التحديد العاطلين الجزئيين (ضحايا تقليص ساعات العمل) وكذا الأشخاص الذين اضطروا لقبول شغل مؤقت غالبا ما يكون بعيدا عن مهنتهم وكفاءتهم. هذه البطالة المقنعة اتسعت حاليا حتى في البلدان الرأسمالية المصنعة ناهيك عن البلدان الرأسمالية التابعة، الأمر الذي يكشف محدودية هذا التعريف.

التعاريف الرسمية في المغرب لا تخرج عن هذا الإطار، حيث يعتبر عاطلا كل شخص لا يقل عمره عن 15 سنة صرح تلقائيا أنه لا يشتغل خلال فترة الاستجواب، لكنه يبحث عن عمل (تعريف مديرية الإحصاء).
تنضاف إلى هذه التعاريف المبتذلة طريقة جمع الأرقام الإحصائية التي تفتقد إلى مصادر فعالة: غياب صناديق للتعويض عن البطالة، مكتب التشغيل لا تشمل كل المدن المغربية وهي عبارة عن بنايات مهترئة لا تمثل طلبات الشغل المودعة فيها شيئا يذكر. أمّا إحصاءات النقابات فهي منعدمة وتبقى بعض الأرقام التي تنطق بها من حين لآخر اعتباطية وعديمة الجدية.
وتقتصر مصادر مديرية الإحصاء بصورة أساسية على البحوث الميدانية التي تقوم أساسا على العينات التمثيلية والتصريح التلقائي مما يُفقدها كل قيمة إحصائية. فمثلا حددت نسبة البطالة في 15.9% سنة 1995، لكنها لا تهم إلاّ السكان النشيطين في الوسط الحضري. ولم تدل بأية معطيات عن الوسط القروي الذي يمثل 50% من السكان، مما يعطينا فكرة بينة على تفاهة الأرقام الرسمية والتي تعكس نية الحكومة البرجوازية في طمس حقيقة اتساع رقعة البطالة وبلوغها أرقاما فظيعة.

وإذا كنا مضطرين لاستعمال الإحصائيات البورجوازية التي ليست إلا مرآة مشوهة للواقع، فيجب علينا أن نجتهد كي نحسن استعمالها للرد على هذه البورجوازية بنفس إحصائيات. وبالنسبة لنا لا يتعلق تحديد وضعية البطالة بتعاريف سطحية أو بمسألة تقنية إحصائية، بل يتعلق بمشكل نظري وسياسي يجب الكشف عن دلالته العميقة.
2/- ما هي أسباب البطالة؟
حاولت البرجوازية طوال تاريخها إنكار وجود البطالة داخل نمط الإنتاج الرأسمالي. لكن احتداد تناقضات الرأسمالية وتعمق أزمتها بصورة دورية كشفا عن كل ترهات مداحي النظام الرأسمالي. اضطرت البرجوازية إلى الأمر الواقع، وجدت لتعليله بطرقها الخاصة مسخرة أنصارها في الحكومة وفي المنابر الجامعية لشرح أسباب البطالة من منظور الدفاع عن الرأسمالية، وتمويه حقيقة أن البطالة الدائمة ميزة أساسية لنمط الإنتاج الرأسمالي.
أ)- هل البطالة مرتبطة بقوانين طبيعية؟
اضطر الاقتصاديون البرجوازيون إلى الإقرار بوجود بطالة دائمة في ظل النظام الرأسمالي لكنهم يقدمون تفسيرات مرتبطة بقوانين طبيعية.
* البطالة نتيجة لنمو طبيعي لعدد السكان؟
إن نمو السكان الذي يحدد عرض قوة العمل ليس أمرا طبيعيا، بل يخضع إلى العلاقات السائدة في النظام الرأسمالي. هذا الأخير ليس فقط جملة علاقات إنتاج بل يشمل كذلك كافة مجالات الحياة الاجتماعية. فمعدل المواليد ومعدل الزواج… ليست ظواهر طبيعية، كما يزعم البرجوازيون، بل هي مرتبطة بشكل وثيق بعادات وتقاليد اجتماعية. معدل المواليد بالمغرب مثلا كان خلال فترة 1971-72 بنسبة  40.2، ولم يعد يمثل إلاّ 27.3 في 1992-1993 (21 في الوسط الحضري، 33.5 في الوسط القروي). فقد مال إلى الانخفاض مع تبدل التقاليد البدائية (التناسل وفق تعاليم الدين، تعدد الزوجات…) والتي ما تزال تسود في العالم القروي، الأمر الذي يفسر الارتفاع النسبي لمعدل الولادة في هذا الوسط.

* البطالة نتيجة لتطور طبيعي للتقدم التقني؟
إن التطور التقني والميل إلى المكننة الكثيفة على حساب قوة العمل يميزان نمط الإنتاج الرأسمالي. ويسير هذا الميل باتجاه تقليص طلب قوة العمل من طرف الرأسماليين وبالتالي إلى خلق البطالة ما دام عرض قوة العمل من طرف العمال لم ينخفض. في ظل شروط الإنتاج الرأسمالية هذه، يصبح التقدم التقني مبررا لتقني مبررا لتقليص فرص الشغل من طرف الرأسماليين. وبالتالي ليست البطالة بالنسبة لهم سوى «الثمن الاجتماعي» الحمى «لتقدم الإنسانية».
إن هدف الرأسمالية ليس هو إيجاد الشغل بقدر ما هو ضمان شروط تراكم الرأسمال. هذه الأخيرة تشكل محور عملية الإنتاج الرأسمالية، ويتجاهلها الخطاب البورجوازي حين يرجع كل المشاكل المتعلقة بالشغل إلى تقلبات «سوق قوة العمل» التي يعزوها إلى قوة العمل نفسها وليس إلى مشتريها الرأسمال. ولهذا، إذا كان التقدم التقني يزيد من إنتاجية العمل فهو لا يسبب البطالة في حد ذاته، بل تسببها علاقته بتراكم الرأسمال.

إن البطالة الدائمة ليست إذا ظاهرة مرتبطة بعوامل طبيعية بل هي نتيجة للتقدم التقني في شروط التراكم الرأسمالية. كان من المفروض أن يؤدي تطور إنتاجية العمل عبر المكننة إلى إلغاء البطالة وإلى تقليص جذري لساعات العمل مما سيزيد من رفاهية الإنسانية. لكن ليس هذا في النظام الرأسمالي. وهنا تجد المطالبة بتشريك وسائل الإنتاج وإقامة سلطة المنتجين تبريرها النهائي.

ب)- ما الذي يتحكم في تقلبات «سوق العمل»؟
تتحدد قوة العمل في مجموع القدرات الجسدية والذهنية للعامل. هذه القوة أصبحت في إطار النظام الرأسمالي سلعة كباقي السلع الأخرى تباع وتشترى وفق تقلبات السوق. فالعمال، لضمان عيشهم، يضطرون لبيع قوة عملهم لأن وسائل الإنتاج تمتلكها طبقة اجتماعية أخرى هي البرجوازية. أمّا عدد فرص الشغل التي يعرضها الرأسماليون للعمال فهي نتيجة لتأثيرين متناقضين يحدثهما بالضرورة تراكم الرأسمال:
من جهة، يعني تراكم الرأسمال زيادة حجم الرأسمال المستثمر (آلات + قوة عمل) التي تخلق فرص الشغل
من جهة أخرى، يترافق هذا التراكم مع زيادة إنتاجية العمل (زيادة حجم استعمال الآلة بالنسبة لقوة العمل) التي تلغي فرص الشغل.
إن زيادة أو تقلص طلب قوة العمل من طرف الرأسماليين يتأتى من المقارنة بين معدل زيادة تراكم الرأسمال ومعدل زيادة إنتاجية العمل. هذه الأخيرة لن تؤدي إلى تقليص طلب قوة العمل من طرف الرأسماليين بمعنى إلى البطالة إلاّ إذ كان معدل تراكم الرأسمال ينمو بشكل غير كاف.

ج)- لماذا يميل معدل البطالة إلى التضخم؟
يرتبط نمو تراكم الرأسمال بوجود مقترن لمعدل ربح واف ولأسواق كافية. وبما أن شروط الإنتاج الرأسمالية (احتداد المنافسة) تدفع بمعدل الربح الوسطي إلى الانخفاض وبتعميم الإنتاج السلعي الذي يكتسح كل الأسواق، فأن معدل تراكم الرأسمال يميل إلى النمو بشكل بطيء. هذا ما يجعل البطالة تكتسي طابع الديمومة في نمط الإنتاج الرأسمالي، وتميل إلى التضخم كلما احتدت تناقضاته.
وللصمود أمام التنافس العالمي المتزايد تضطر البرجوازية إلى إعادة تركيب دائمة لسيرورة الإنتاج تدفعها لاتخاذ إجراءات تزيد من توسيع البطالة. فمثلا تتم في المغرب الآن إعادة تركيب قطاعات تعتبر جد رئيسية سواء من حيث وزنها الاقتصادي أو من حيث عدد مستخدميها، لكنها غير مربحة من وجهة نظر الاقتصاد الرأسمالي، وذلك عبر خوصصتها التي تعني في المقام الأول تقليص اليد العاملة والتراجع عن المكتسبات الطفيفة أصلا بالنسبة لمن لم يشملهم التسريح بعد. وتندرج هذه الإجراءات في إطار تطبيق النظام البرجوازي المحلي لكل التوصيات التي تمليها المؤسسات الإمبريالية لضمان استرداد ديونها، كتقليص النفقات المرتبطة بالقطاعات الاجتماعية (صحة، تعليم…)، توصيات تزيد من تعميق البطالة والفقر.


3/- أشكال البطالة
أ)- البطالة وعدم استقرار الشغل
إن مشكل البطالة لا يتعلق فقط بالعاطلين الذين لا يستطيعون العثور على عمل، بل يتعلق كذلك بعدم استقرار الشغل المرتبط بتحويل الرأسماليين لنشاطهم من قطاعات إنتاج غير مربحة إلى أخرى أكثر ربحا في إطار بحثهم الدائم من معدل ربح أقصى. هذا التحويل ترافقه تنقلات قسرية  للعمال تفقدهم الامتيازات المتعلقة بالأقدمية في القطاع السابق، كما تغير وضعهم الاجتماعي والنفسي بشكل سلبي. تغيير منطقة جغرافية بأخرى مثلا ينعكس على تمدرس الأطفال وكذا على كل الخدمات الأخرى، لأن العامل يجد صعوبة في الاندماج مع المحيط الجديد. هكذا فالبرجوازية لا تعتبر العامل إنسانا بل مجرد شيء كأثاث مثلا تستخف بوضعه هنا أو هناك أو حتى ترمي به إلى القمامة.
إن مصير العمال في نمط الإنتاج الرأسمالي يتميز بعدم الثبات، لأنهم ليسوا إلاّ أداة لاستثمار الرأسمال وهم مجرد جزء من هذا الرأسمال يستعملون ما داموا يحققون أكثر مما يكلفون، عند عجزهم عن القيام بهذه المهمة، يصبحون عديمي الجدوى بالنسبة للرأسماليين وعليهم بالتالي أن يختفوا من سيرورة الإنتاج ولم يبق لهم، كضحايا القانون الدموي لتراكم الرأسمال، إلاّ أن يغدوا صفوف الجيش الاحتياطي.
ب)- ضحايا البطالة
إن اليد العاملة ليست متجانسة، حيث تتشكل من رجال ونساء، شباب وشيوخ، عمال مهرة وعمال غير مؤهلين… الخ. ويكشف الرأسمالي عن تفضيلاته كلما رغب في تشغيل العمال وكلما أراد تسريحهم. فالذين يشملهم التسريح في المقام الأول يكونون آخر من يشتغل. وكلما احتدت الأزمة نقص هذا الطابع الانتقالي لتشمل تسريحات الرأسمالي كل الفئات.

لنر الآن ما هي الفئات الأكثر عرضة للبطالة في المجتمع الرأسمالي:
*- نجد في الدرجة الأولى الشباب: في المغرب تمثل نسبة البطالة للأعمار المتراوحة بين 15 و24 سنة 30.2% في الوسط الحضري سنة 1993، بمعنى ضعف متوسط معدل البطالة (أي 15.9%)

هذه تشمل خاصة المتخرجين الجدد من المدارس والذين يبحثون عن أول عمل. لنفس السن (15 إلى 24 سنة) ولنفس السنة (1993) يشكل العاطلون دون أي شهادة نسبة 12.1%، والذي يتوفرون على شهادة التكوين الابتدائي 24.1%، والثانوي 42% والعالي 66.4%. كما أن البطالة التي تفوق 12 شهرا تبلغ نسبة 67.7% لسن 15 إلى 24 . وبصورة عامة نلاحظ أن من بين عاطلين اثنين يوجد شاب.

وتنهج الباطرونا سياسة تمييز وقحة إزاء تشغيل الشباب بوضعها كشرط توفر الشاب على تجربة (أكثر من 3 أو 5 سنوات) للنظر في طلبه للعمل. كل هذا يجعل الشباب يتفاوض من موقع ضعف حول شروط بيع قوة عمله (عضلية كانت أم ذهنية) للوحش الرأسمالي ويضطر غالبا بقبول وظائف لا تتناسب إطلاقا مع مؤهلاته.

*- الفئة الثانية هي النساء: إن النساء عبر شقائهن في الأعمال المنزلية والتي لا تنال عنها أي مقابل، تساهم في الرفع من فائض القيمة الرأسمالي وذلك بصيانتها لقوة العمل وإعادة إنتاجها (الإعالة، الإنجاب، تربية…). إضافة إلى هذا تضطر المرأة للبحث عن عمل لتأمين معاش عائلتها، إلاّ أن الباطرونا تعتبرهن بكل سفاهة قوة عمل هامشية. لذا نرى بطالة النساء أكثر جماهيرية في غالب البلدان الرأسمالية وتمثل ضعف بطالة الذكور. في المغرب تنحصر نسبة نشاط المرأة في المدن في 22.1% مقابل 73.1% بالنسبة للذكور. أمّا في الوسط القروي فأغلبية النساء عاطلات. وتتسم سياسة الباطرونا فيما يخص تشغيل النساء بـ:
- تمييز فظ حيث لا يرغب الباطرون في تشغيل نساء شابات لأن وضعهن غير قارة بحكم الحمل ورضاعة الأطفال
- استغلال بشع: لنفس العمل لا تتقاضى المرأة غالبا سوى ثلث أو نصف أجر الذكر
- الأولوية في التسريح: عندما يرغب في تسريح جزء من مستخدميه، يبدأ الباطرون بالفئة الضعيفة التي لن تبدي أي مقاومة.
*- الفئة الثالثة الأكثر عرضة للبطالة في المجتمع الرأسمالي هي فئة العمال المهاجرين: إن الإمبريالية لا تكتفي بامتصاص الموارد الطبيعية للبلدان التابعة، بل تحتاج كذلك إلى قوة عملها لتحقيق فائض قيمة أكبر. والأرباح التي تسلبها هذه الإمبريالية من البلدان المسماة بالمتخلفة في إطار سيطرتها المباشرة وغير المباشرة لها، لا يعاد استثمارها في هذه البلدان كما أن الإفلاس الذي تسببه لقطاعات الإنتاج ما قبل الرأسمالية لا يوازيه خلق فرص شغل كافية. فجمهور العمال الذي نتج عن نزع ملكية الفلاحين والحرفيين… الخ لا يجدون عملا في بلدانهم. وهنا يكمن الطابع الجماهيري للبطالة الذي تسببه الامبريالية في البلدان التابعة. وهذا الجمهور يشكل جيشا احتياطيا لها «تسوده» عند الحاجة.
لا يخفى على أحد فظاعة استغلال العمال المهاجرين في البلدان الإمبريالية، وهاهم الآن أول ضحايا الأزمة العامة التي تعرفها الإمبريالية، فقد لفظتهم بعدما أفنوا زهرة عمرهم في خدمة الرأسمال الإمبريالي الذي يسحق بلدانهم.

إن السبب الرئيسي الذي يجعل العمال المهاجرين أول ضحايا البطالة في البلدان الإمبريالية هو سبب سياسي متمثل في ضعف قدرتهم على المقاومة والنضال لتحسين وضعيتهم وضعف انخراطهم في النقابات إضافة إلى انعدام أية تسوية لوضعية إقامة أغلبيتهم مما يعرضهم لحملات «تطهير» جماعية.

إضافة إلى هذه الفئات الرئيسية الثلاث نجد مجموعة أخرى تشملها البطالة بدرجات متفاوتة كالأشخاص الذين تجاوزوا «سن العمل» والعمال في الزراعة التقليدية والصناعات الحرفية الذين يقبلون بكل الشروط للحصول على عمل في الصناعة، ثم الجمهور الواسع من «البؤساء» الذين لا يمتلكون أي مهارة ولفظهم تقسيم العمل البرجوازي ليغذوا صفوف ما يسمى وقاحة بالقطاع غير المقنن.

ج)- ماذا تعني بطالة حملة الشهادات؟
حسب الإحصائيات الرسمية، بلغ مجموع العاطلين ذوي الشهادات العليا بالمغرب سنة 1993 (121464 عاطلا) تشكل منهم الإناث 44.1%. وبالمقارنة مع سنة 1992 (99220 عاطلا) فقد سجلوا ارتفاعا بنسبة 22.4%. كما أن نسبة العاطلين لمدة طويلة (العاطل يقضي في المتوسط 27 شهرا قبل أن يجد عملا) تزداد كلما ارتفع مستوى الشهادة المحصل عليها حيث تمر هذه النسبة من 54.3% بالنسبة للعاطلين بدون شهادة إلى 78.2% فيما يخص الحاصلين على شهادة عليا.
إن هذه المعطيات رغم أنها لا تعكس الواقع الحقيقي فإنها تعطينا فكرة عن انضمام فئة أخرى من ضحايا قانون تراكم الرأسمال الوحشي، إلى صفوف الجيش الاحتياطي من العاطلين. ولا يجب الاكتفاء باستعراض الأرقام كما يفعل الليبراليون، بل يجب الكشف عن دلالة هذه البطالة والبحث عن أسبابها الكامنة في نمط الإنتاج الرأسمالي.
لقد أدى تطور الإنتاج الرأسمالي إلى بروز «سوق» لقوة العمل الذهني التي أضحت سلعة تباع وتشترى، وذلك كما كان الأمر بالنسبة لقوة العمل اليدوية منذ بداية الرأسمالية. وكثمن أي سلعة يتعرض أجر العمل الذهني إلى تقلبات السوق ويتحدد وفق قانون العرض والطلب.

إن سيرورة تحويل العمل الذهني إلى مجرد بضاعة مرتبطة بتطور الرأسمالية إلى مرحلتها الإمبريالية الذي ترافق مع تسريع وثيرة التقدم التكنولوجي ومع تقسيم جد متطور للعمل. هكذا غدت سيرورة الإنتاج الرأسمالية عملية معقدة تحتاج أكثر فأكثر إلى العمل الذهني بمعنى إلى تقنيين ومتخصصين لتنظيم الإنتاج ودراسة السوق. هؤلاء أصبحوا مجرد أجراء في خدمة تراكم الرأسمال. ونتج عن هذا التطور تصنيع شامل ومعمم لكافة الأنشطة المرتبطة بحياة الإنسان بما فيها تلك التي كانت دوما في عداد المهن النبيلة كالطب والثقافة والفن… الخ والتي صارت تباع ككل البضائع الأخرى.

إن السباق إلى التحديثات التكنولوجية والتنظيم الشامل لكل مجالات الحياة الاجتماعية الذي يخضع لمتطلبات تراكم الرأسمال تعوقه أزمة الجامعة البرجوازية التي لم تعد تكوينها يتلاءم مع متطلبات الشركات الاحتكارية وكذا مع متطلبات جماهير الطلبة. ونتج عن هذا وفرة العرض وقلة الطلب في «سوق» العمل الذهني. إن الأفواج المتزايدة للمتخرجين من  مختلف المدارس والمعاهد قد أصبحوا في عداد البروليتاريا، مما يعني بلترة العمل الذهني. إننا أمام ظهور بروليتاريا ذهنية تماما كما كان ظهور بروليتاريا يدوية، طبقة لا تعيش إلاّ من بيع قوة عملها، ولا يربطها أي رابط بمصلحة الرأسمالية عموما. هذه الأفواج لم تعد تستوعبها عدد فرص الشغل التي يعرضها الرأسماليون بشح، الأمر الذي جعلها تلج صفوف الجيش الاحتياطي.

في البلدان الصناعية المتقدمة سعت البرجوازية جاهدة لجعل الجامعة مؤسسة مهنية يدفعها بالتخصص إلى أقصاه في محاولة لتكييف الجامعة مع متطلبات السوق الرأسمالية. وكانت النتيجة أن لا الجامعة نجحت في مسايرة تطور المعرفة العلمية التي تسير بسرعة صاروخية، ولا الطلبة المتخرجين من هذه الجامعات نجحوا في إيجاد مناصب شغل تستجيب لكفاءاتهم ومؤهلاتهم.

أمّا في المغرب، حيث تعوق تبعيته للامبريالية إرساء أسس صناعة محلية متطورة ويحكم عليه اندماجه القسري في النظام الرأسمالي العالمي بالتخلف، فإن التعليم كان دوره منذ البداية مقتصرا بشكل كبير على تكوين الأطر الصغيرة والمتوسطة، من جهة لضعف التجهيزات التحتية (بنايات، مختبرات، أطر…) ومن جهة أخرى لحاجة الجهاز الإداري الملحة لمثل هذه الأطر. أمّا الآن، وبعد تضخم هذا الجهاز الإداري بشكل كبير فإن الدولة البرجوازية، تنفيذا لتوصيات الدوائر الإمبريالية، أصبحت تنظر إليه كقطاع غير منتج وتسعى تدريجيا للتخلص من نفقاته. هذا ما يفسر كون الإصلاحات التي تقوم بها الدولة بصورة تقنوقراطية أبقت على ضعف مستواه ولم تعمل على تطوير تجهيزاته التحتية ولا على دمقرطة نظامه الإداري، لأن الخلفية الأصلية ليست إصلاحه خدمة للشعب بل التخلص من تحملاته وجعله مجالا للتوظيف الرأسمالي المربح. إن الرأسمالية عموما عاجزة عن استثمار الإنتاج العلمي لصالح البشرية. فجوهرها هو إخضاع حاجيات الإنسان إلى سيرورة الإنتاج وليس العكس.
إن النتيجة المنطقية الوحيدة لهذه السياسة البرجوازية هي تفريخ مئات الآلاف من العاطلين خريجي الجامعات والمعاهد العليا ومراكز التكوين المهني. وليس السخط العارم الذي يسود صفوف حملة الشهادات بمختلف أصنافهم إلاّ تعبيرا عن فشل الحكومة البرجوازية في إيجاد أي حل لبطالتهم. ولما اضطرت، أمام تنامي نضالاتهم، إلى الاعتراف بوجودهم فقد حاولت التركيز على هذه الفئة لوحدها لتحجب الأنظار عن ملايين العاطلين الآخرين الذين يرزحون تحت نير الفقر والبؤس. فالبرجوازية، وفاء لقاعدة المضطهدين «فرق تسد» تسعى إلى إشاعة التمييز بين فئات العاطلين وزرع روح التنافس لديها.

خلاصات
1)- إن فقدان الشغل الذي يمنح وحدة حقيقية لمختلف شرائح السكان الكادحين ولمختلف فئات العاطلين لا يلغي إطلاقا الفوارق الجوهرية بين الفئات العاطلة وبين أنواع العاطلين. لهذا يجب على جمعيتنا (ج. و. ح. ش. م. م.) أن تسعى جاهدة لإيجاد الأشكال العملية (لجان العاطلين في الأحياء مثلا) لخلق التقارب بين فئات العاطلين وإذكاء روح التضامن لديهم. كما أنها يجب أن تعمل وتناضل بكل ضراوة لمحاربة التمييز البرجوازي الشنيع وتحسيس العاطلين ذوي الشهادات بوحدة مصيرهم مع كل الفئات الأخرى من العاطلين وإنماء الوعي لديهم بضرورة وحدة كل ضحايا الوحش الرأسمالي لخلق ميزان قوى كفيل بانتزاع حقهم في الشغل.
2)- إن البطالة وعدم استقرار الشغل زيادة على أنهما يزيدان من حدة تدهور شروط الحياة لدى العمال، قد أصبحا سلاحا في يد الرأسماليين لتقسيم العمال واستغلالهم. فالبطالة ليست فقط نتيجة للفوضى الرأسمالية، إنها كذلك وسيلة لضمان هيمنة البرجوازية. إن التوظيف الكامل بمعنى غياب البطالة أمر غير مرغوب فيه من طرف الرأسماليين، لأنه يجعل الطبقة العاملة في موقع قوة لخوض نضالها المطلبي. وبالتالي فهم يسعون إلى الحفاظ على «احتياطي للبطالة» يلجئون إليه كوسيلة لتقسيم العمال ومقارعة العاملين بالعاطلين للضغط على مطالب العمال ومكاسبهم. لهذا لا يوجد أي حل للبطالة إلاّ بتدمير النظام الرأسمالي واستيلاء العمال المنتجين على وسائل الإنتاج بغية إخضاع سيرورة الإنتاج ليس إلى شروط التراكم الرأسمالي بل حاجيات الإنسان ورفاهيته.


=======================================================================
 
 
 
الليبراليون والبطالة
تقديم
منذ مدة، تتصدر مشكلة التشغيل كل الملفات الاجتماعية الساخنة التي يجري البحث عن حلول لها. هكذا شهدت البلاد، في ظل تصاعد النضالات الاحتجاجية ضد البطالة، توال في التنظيرات التي تحاول الإحاطة بهذه الظاهرة بشكل عان وبطالة حاملي الشهادات بشكل خاص. وتهدف هذه المساهمة إلى تتبع التنظيرات الليبرالية المتعلقة بهذه المسألة والكشف عن خلفيتها الطبقية. ونقصد بالليبرالية ذلك الجناح «المتنور» من البرجوازية التي لا يضع النظام الرأسمالي المبني على الملكية الخاصة والعمل المأجور محط تساؤل، بل يسعى إلى إبداء النصح لتلك الأجنحة البرجوازية «المتعجرفة» المتحكمة في دواليب الدولة منتقدا اياها في عدم توفير الشروط الملائمة لسير عادي لهذا النظام. لذا فهو يركز على «السلم الاجتماعي» ويعتمد أسلوب «الحوار» من أجل عقلنة الاستغلال الرأسمالي وتلطيفه عبر تقديم بعض التنازلات للطبقة العاملة وضمان حد أدنى من الحريات السياسية. إلاّ أن خشيته من النهوض الجماهيري جعلته يرتمي بالكامل في أحضان الطبقات الحاكمة ويصبح أداة في يدها لتضليل الشعب الكادح وخداعه.

1)- التنظير الليبرالي لمسألة البطالة
في ضل بطالة جماهيرية تتخذ أشكالا كارثية وتشهد تناميا للبؤس المعمم على الجماهير الكادحة واستفحال التهميش والإقصاء، ينطلق الفهم الليبرالي من اعتبار مسألة البطالة الكادحة واستفحال التهميش والإقصاء، ينطلق الفهم الليبرالي من اعتبار مسألة البطالة مشكلة عالمية[1] يتم إرجاعها بشكل أساسي إلى نتائج تطبيق «سياسة التقويم الهيكلي» المملاة من طرف المؤسسات المالية الإمبريالية وارتباط المغرب بتقلبات السوق الدولية، وإلى ضيق السوق الداخلية وتحكم التقلبات المناخية في النسيج الاقتصادي للبلاد، وكذا ضعف الاستثمارات والنمو الديموغرافي المرتفع، ثم عدم ملائمة التكوين لحاجيات سوق العمل[2] وعدم تحمل الحكومات السابقة لمسؤولياتها في ميدان التشغيل[3].

أ). البعد العالمي لأزمة البطالة
إن سعي الأحزاب البرجوازية الليبرالية إلى الحفاظ على الوضع القائم بأي ثمن، جعلها بوقا للدعاية الرسمية التي تهدف من وراء إعطاء معضلة البطالة الجماهيرية بعدا عالميا إلى إضفاء طابع الشمولية عليها وأنها شيء طبيعي لا مناص منه، وبالتالي إقناع الناس بإحياء روح التضامن العائلي والتكافل الاجتماعي.
إن الرأسمالية لا تعترف بالأخلاق وينقض على كل الروابط الإنسانية وتحيلها إلى سراب محولة المجتمع بكامله إلى سوق للبضائع يحكمه منطق الربح ومراكمة الرأسمال، مراكمة الغنى لدى أقلية ضئيلة ونشر البؤس والبطالة والتهميش لدى الأغلبية الساحقة.
تتفق المعارضة البرجوازية الليبرالية، في معالجتها لمسألة البطالة، مع الطبقات الحاكمة في اتجاه التسليم بالبطالة كأمر واقع يكتسي بعدا عالميا. وبالتالي، فهي لا تربط بين هذه البطالة وبين الميل العام لعولمة الأزمة الدائمة لنمط الإنتاج الرأسمالي التي تؤدي إلى تقهقر اجتماعي معمم، وإلى المرارات التي تتجرعها بلدان «العالم الثالث» وهي تتحمل أعباء هذه الأزمة من خلال ما تفرضه عليها المؤسسات المالية الإمبريالية من سياسات قوامها تسديد الدين عبر محاربة عجز ميزانية الدولة وعبر إلغاء دعم المواد الأساسية وتقليص النفقات الاجتماعية وإعادة تنظيم الاقتصاد بتوجيهه نحو التصدير ثم نهج سياسة الخوصصة.
إن تفادي هذا الربط يوضح بجلاء كون «أصدقاء الشعب» المحترمين من دعاة استغلال رأسمالي ملطف لا يسعون إلى مراجعة، ولو جزئية، لوصفات تلك المؤسسات الإمبريالية. يقول مصطفى الكثيري، وهو أحد المنظرين الاقتصاديين الليبراليين، بأن «استحضار أهداف ومرامي العدالة الاجتماعية في التدابير التي يفرضها عولمة الاقتصاد وانفتاح الاقتصاد المغربي على المنافسة الدولية» يستدعي «اتخاذ تدابير وتقويمات هيكلية لاختيارات الاقتصاد الوطني وتوجيهات القطاعات الاقتصادية»[4]. ويضيف ذ. التباع، أستاذ آخر من مدرسة النفاق والتضليل البرجوازي، بعد كشفه لعيوب الخوصصة وما تؤدي إليه من تنمية البطالة، قائلا: «… أدقق هنا أن هذه السلبيات (أي سلبيات الخوصصة) تنحصر في السنوات الأولى فقط (3 أو أكثر) حيث يمكن لهذا القطاع المخوصص أن يخلق دينامية جديدة اعتمادا على الإنتاج وتطويره، لأنه ركيزة خلق فرص الشغل»[5]. وقد تطرق الأستاذ للموضوع في السابق قائلا: «إن مشاكل الشغل مرتبطة بنموذج التراكم، فبعد الفعل في هذا النموذج يمكن خلق تحسين الوضعية على المدى المتوسط»[6]. لا يمكن أن نقول سوى أن تكوين هؤلاء الأساتذة الأوفياء للمدرسة الليبرالية يتلاءم بالفعل مع متطلبات مصلحة الرأسمال. إنهم بارعون في إيجاد الحجج للدفاع عن الوضع القائم.

ب). هشاشة «الاقتصاد الوطني» وسبل تهيئ الإقلاع
هذه النقطة تبرز جليا تعلق هذه الأحزاب الليبرالية –وإن كان تعلقا محتشما- بتوصيات المراكز الإمبريالية، كما تبرز كذب كل ما تدعيه من قدرة على حل شامل لأزمة البطالة.
فبعد استعراضه لتطرق خبراء البنك الدولي للاقتصاد المغربي الذين اعتبروا أنه «بالرغم من المصاعب التي تواجه الاقتصاد المغربي، بمقدور البلاد أن تتخطى هذه العراقيل الظرفية. هذا مع العلم بأنها تتوفر على مؤسسات اعتمدت اختيارات محددة»[7]. وبأن المغرب «بلد ناشئ بإمكانه مواجهة المنافسة، ويتعين عليه إعادة رسم استراتيجية اقتصادية لتحقيق معدل نمو ضروري للإقلاع الاقتصادي»[8]. أكد مصطفى الكثيري بأن كل هذا قد «عبرنا عنه مرارا فيما مضى وقبل أن تقتنع بوجاهته هذه المؤسسة الدولية..»[9]. إن وجاهة هذا الدجال أدت به إلى المناداة، وبشكل وقح، بضرورة «إعادة النظر في آليات وترسانة قوانين الشغل لتتلاءم ومتطلبات إنعاش الشغل»[10]، «للتخفيف من معاناة البطالة وقلة الشغل… يتعين تنظيم سوق مرونة التشغيل تحقيق مرونة التشريعات سواء بتخفيض التحملات الاجتماعية، أي تكاليف الانخراط في الضمان الاجتماعي ومنها حصة أرباب العمل والمشغلين، أو فيما يعود إجراءات حماية العمل وشروط الفصل والوفاء بالالتزامات فيما بين المشغلين والشغالين»[11]. وهذا بالضبط ما تضمنه مشروع مدونة الشغل التي تقنن الهجوم البرجوازي الشرس على مكتسبات الطبقة العاملة وعموم الكادحين وتجسد «مرونة العمل ومرونة التشريعات» هاته وتجهز على التعويضات وعلى الضمان الاجتماعي بخفض «تحملات أرباب العمل الاجتماعية» وبتسهيل التسريحات، الخ. ليس هذا سوى تركيزا لكل ما توصي به تلك المؤسسات الإمبريالية التي يلعنها هؤلاء السادة المحترمين ألف مرة قبل الخلود إلى عجزهم المزمن.
إن الإقلاع الاقتصادي الذي يريده البورجوازيون لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية؛ بل يهدف فقط إلى ضمان و«تأمين ظروف ووسائل العمل الكفيلة بضمان تنافسية المنتجات والخدمات المغربية…»[12]. وبعبارة صريحة، ضمان مصلحة البرجوازية في مراكمة الأرباح ومراكمة الرأسمال.

ج). عدم ملائمة التكوين لسوق العمل
لكما ارتفعت المناداة بضرورة تشغيل العاطلين بصفة عامة في وجه البرجوازية، كلما تعالت صيحات البرجوازية الليبرالية بجنون لا يضاهيه جنون البقر مرددة المقطوعة المألوفة بأن «التكوين لا يتلاءم وحاجيات سوق الشغل». ويذهب إلى ذلك معظم رموز المعارضة الليبرالية متحاشين بذلك تعرية الأسباب الحقيقية لذلك ومحاولين التستر عليها.
إن ترديد هذه المقطوعة لا يهدف سوى إلى التغاضي عن ضعف القطاع الخاص وعن هشاشته البنيوية التي لا تسمح له للقيام بأنشطة إنتاجية هامة تمتص بالفعل الأعداد الهائلة والمتزايدة من العاطلين. وهذه قاعدة كلاسيكية في البلدان الرأسمالية شبه-المستعمرة. فالتدمير الذي تلحقه الامبريالية بقطاعات الإنتاج في هذه البلدان لا توازيه بنية صناعية محلية قوية تستوعب جمهور العمال الناتجين عن عملية التدمير هذه. إلاّ أن منظري الأحزاب الليبرالية يعتبرون أنه بدون ربط التنمية الاقتصادية بضرورة تحقيق تنافسية المنتجات المغربية والاستعداد للشراكة ومستتبعات منطقة التبادل الحر، لا يمكن تصور قطاع خاص قادر على هيكلة تفرض الاعتماد على آليات وتقنيات ضخمة وبالتالي فتح مناصب شغل جديدة. كما يعتبرون أن هذا القطاع الذي يجب تزويده بيد عاملة مؤهلة، يتميز بضعف تأطيره واستعماله لأساليب عتيقة في مجال التسيير، ونظرا لمنطق الربح الذي يحكمه فإنه لا يفضل الاستعانة بأطر مكلفة. هكذا إذن، فالعيب يكمن في قطاع خاص تتقلص مجالات تدخله بفعل منطق الشراكة ومنطقة التبادل الحر التي تخلق شروط منافسة دولية حادة تهدده بالإفلاس. ولن يؤدي كل هذا سوى إلى تفاقم البطالة الجماهيرية. ومن هنا تجل سخافة حجة «عدم ملائمة التكوين لحاجيات سوق الشغل» وخلفيتها في إخضاع التعليم والتكوين لمستلزمات مصلحة الرأسمال. وهذا ما يعبر عنه بوقاحته المعهودة مصطفى الكثيري عندما يقول: «فليس لذا السلطات العمومية، والحالة هذه، تصور لمعالجة هذه الظاهرة المتنامية لعطالة الشباب… ممن تحملت الدولة… تكاليف مالية باهظة من أجل تعليمهم وتثقيفهم وتكوينهم وإعدادهم لولوج الحياة العامة باعتبارهم مخرجات استثمار بشري ضروري ونافع»[13]. ويضيف، بنفس المنطق الذي يعتبر الطلبة ليس بشرا بل مجرد مخرجات ضرورية للاستثمار ومجرد آليات في خدمة الرأسمال: «… لتكون محصلته (أي التكوين) هي تمكين مخرجاته من الاندماج في مجتمع التشغيل… وتوظيفها فيما هو إيجابي وهادف لتحقيق أغراض وأهداف التنمية»[14]، أي أهداف مراكمة الرأسمال!

د). عجز الحكومات السابقة في ميدان التشغيل
لا تخلو افتتاحية جرائد الأحزاب لبرجوازية الليبرالية ولا مقالات زعمائها من تحميل مسؤولية تفاقم البطالة «للاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية» للحكومات السابقة. وكان الأمر ليس مرهونا سوى بتغيير حكومة بأخرى! أيها السادة، إن الوزراء ليست لهم أية سلطة تنفيذية حسب الدستور نفسه. فهم لا يحددون السياسة العامة للبلاد ولا يتحكمون في الجيش والشرطة وليست لهم أية سلطة فعلية على البيروقراطيين الذي يعينون في القسم الإداري، الخ. فما عسى «تحمل رجال جدد للمسؤولية» أن يفعل سوى إعادة إنتاج –بطبعة أخرى- كل المصائب الاجتماعية لنمط الإنتاج الرأسمالي الذي لا يمكن أن يوجد بدون بطالة دائمة لازمته منذ ولادته.
يتجلى عجز هذه القوى الليبرالية عندما لا تقدم أي بديل شامل من أجل تنمية اقتصادية-اجتماعية تتجاوز أسس ومنطق سير نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي، وتكتفي بإدعاءاتها المتكررة بضرورة ترشيد تلك السياسات وإضفاء بعد اجتماعي على «سياسة التقويم الهيكلي». فالمسألة لدى دعاة الإصلاح تتعلق فقط «بتوفر الإرادة السياسية في البلاد»[15]، وبالوصول إلى «حكومة ذات مصداقية ومسئولة أمام الشعب وأمام الملك» لتجد طريقها إلى الحل في «إطار حوار وطني مسئول وديمقراطي»[16]. وفي ظل «تضامن وطني اجتماعي موجه نحو امتصاص الفوارق الاجتماعية والجهوية وتأسيس قاعدة رضية للسلم الاجتماعي مبنية على الحوار الاجتماعي والتضامن الوطني والعدالة الاجتماعية». اللهم لطفك!. إن هذه الليبرالية المنبطحة لا تدخر جهدا في الدفاع عن استقرار وسلم اجتماعي ضروريين ليس لإنقاذ غالبية عظمى من البشر تنحدر إلى أدنى درجات اللا إنسانية، بل لجعلهم خنوعين ودءوبين على العمل لتنمية أرباح وثروات كمشة من الأغنياء الفاسدين. كما أنها لا تدخر جهدا في نصحها بأن هذه المشكلة هي «مشكلة المجتمع وأن حلها لن يتأتى إلاّ بالانتظار وجهود ونضالات القوى الديموقراطية والتقدمية بالبلاد»! ونحن بدورنا لا ندخر جهدا في أن نؤكد بأن أحزاب البرجوازية الليبرالية هذه ابتعدت بالكامل عن هموم الفئات الكادحة وبأنها استكملت دورة خضوعها واستسلامها النهائي لتتحمل مسؤولية تمويه أزمة النظام القائم بالبلاد.

2)- الليبراليون ونضالات المعطلين
مع بداية التسعينات، تصاعد نضالات المعطلين الاحتجاجية، اضطرت هذه الأحزاب إلى مساندة هذه التحركات. وكانت بالفعل السابقة إلى تشكيل لجان محلية للمعطلين وتفعيلها لاستعمالها كورقة ضغط أخرى في مساومتها مع النظام. هكذا شهدت المراحل الأولى للانفجارات النضالية لحملة الشهادات المعطلين تكوين لجان دعم من طرف هذه القوى، وقامت وفود عن قيادتها بزيارة أماكن الاعتصامات. كما عرفت هذه الفترة تحركات هذه الأحزاب في البرلمان، حيث كانت تناقش وتنتقد برنامج الحكومة في مجال التشغيل. وانسجاما مع رغبتها في الهيمنة على هذه الحركة الاحتجاجية وضبطها في حدود ما تخدم حساباتها السياسية، قامت هذه الأحزاب بتغطية مختلف النضالات والأنشطة التي قام بها المعطلون، ودفعت في اتجاه خلق إطار وطني لهم. وكانت تعلق على تلك التحركات بكونها «حضارية ومحكمة التنظيم» وذات «روح وطنية عالية»، وأنها تستميت في الدفاع عن «المقدسات العليا للوطن»، كان هذا التعامل نابعا من سياسة هذه الأحزاب الليبرالية الانتهازية التي تبحث على كل السبل التي تمكنها من الحفاظ على «السلم الاجتماعي» التي جرت الدعوة إليه بعد انتفاضة دجنبر 1990، والذي عكر صفوة بعض النضالات الاجتماعية المعزولة هنا وهناك. ومن هنا بدأ تعتيمها المكشوف على النضالات البطولية والكفاحية للمعطلين في إطار الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعلين بالمغرب. إن هذه النظرة والتعامل الانتهازيين مع حركة المعطلين الاحتجاجية كانت مؤطرة لدى دعاة «السلم الاجتماعي» بالضرورة «الأمنية» وبضرورة «الإعداد للاستحقاقات الوطنية». تقول افتتاحية العلم: «إذا انضاف المخلون بالأمن من المتعلمين إلى غير المتعلمين فإن المجتمع يصبح على شفا الهاوية»[17]. وفي بيان لها، أكدت شبيبة أحزاب الكتلة بـ«أم الظرفية الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها أقاليم الشمال عامة وإقليم تطوان خاصة، تقتضي من السلطات المحلية نهج سلوك حكيم ومتزن في التعامل مع التعبيرات الاحتجاجية لمختلف الفئات الاجتماعية من معطلين وعمال، بدل أسلوب العصا الغليظة الذي لن يساهم إلاّ في المزيد من توثير الأوضاع وفتحها على المجهول»[18].
 إن ما يزعج هؤلاء السادة الليبراليين –وهذه ميزة تاريخية عامة- هو بؤرة الاحتجاج والنضال الكفاحي لدى الشباب التي من شأنها أن تؤدي إلى تعميق التجدر داخل المجتمع، وبالتالي تجاوز الأفق الذي يرسمونه لها واستحالة التحكم فيه وفي النضالات الجماهيرية التي من شأنها أن تستأثرها لدى قطاعات اجتماعية واسعة (عمال، طلبة، نساء، الخ).
هكذا وبعد أن استنفذت هذه الأحزاب البرجوازية الليبرالية كل السبل للهيمنة على نضالات المعطلين، عملت على فرض أسلوب اللامبالاة والحصار الإعلامي سواء على نضالات الفروع الوطنية للجمعية و.ح. ش. م.م. أو نضالاتها المركزية، وتوقفت كذلك على المساهمة في لجان دعم نضالاتهم ماديا ومعنويا. كما أن هذه القوى التي تعودت على تحميل مسؤولية تفاحش البطالة للحكومات المتعاقبة أصبحت الآن، وهي مقبلة على تحمل مسؤولية، تلوح بالإشارات في الاتجاه المعاكس. فأبرز قادة هذه الليبرالية يؤكدون على أنهم لا يملكون العصا السحرية لحل المشاكل المتراكمة ومن بينها ملف بطالة الشباب. هكذا فإن هذه الأحزاب لن تفعل سوى إدارة أزمة متفاقمة واعتماد سياسة تغذية الأوهام حول إمكانية حل شامل للمشاكل الاجتماعية. إنه ستدر الرماد في العيون –وهذا بالضبط الدور الموكل إليها- وتحاول بالتالي إعادة الاستقرار لنظام بلغ الشيخوخة ويوشك على الانهيار مادام قد فقد كل مرتكزاته الاجتماعية. فلا يمكن بعد الآن إقناع الناس بأن «كل شيء بخير» في وقت تعيش فيع الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية في جحيم الاكتواء بغلاء المعيشة والإجهاز على التغطية الاجتماعية من صحة وسكن وتعليم، الخ. وانتشار البؤس والتهميش، الخ. إنها الكارثة، لا يمكن القول غير ذلك!

3)- بعض الخلاصات
-إن الارتهان بالأحزاب البرجوازية الليبرالية من أجل النضال الحازم ضد البطالة ليس سوى كمن تمسك بغريق يصارع الموت.
إن بناء ميزان قوى اجتماعي يجمع في جبهة واحدة ضد البطالة العاملين والعاطلين والمهمشين لا محيد عنه من أجل نضال كفاحي وحازم ينتزع مطالب فعلية.
كما أن العلاج الفعلي لهذه الكارثة الاجتماعية يندرج ضمن منظور شامل للخروج من الأزمة ينطلق من تفعيل تنظيم كل منظمات الدفاع الذاتي للجماهير، ومن درجة كفاحيتها ووعيها الطبقي من أجل ميزان قوى اجتماعي يقوي روح التضامن الطبقي بين العمال والعاطلين. هكذا فإن النضال ضد توسع البطالة أصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة للشريحة المنظمة من الطبقة العاملة.

إن من شأن حركة اجتماعية لمناهضة البطالة ذات وعي طبقي مستقل ودرجة كفاحية عالية أن ترفع مطالب من شاكلة:
* حق الشغل للجميع
* الزيادة في الأجور كلما ارتفعت الأسعار (السلم المتحرك للأجور والأسعار)
* خفض ساعات العمل مع الإبقاء على الأجور وملء المناصب المترتبة عن ذلك بالعاطلين
* إلغاء الساعات الإضافية
* إنشاء صندوق للتعويض عن البطالة
* عمل متساو لأجر متساو

هذه المطالب البسيطة ليست سوى أمثلة وإشارات إلى نوعية المطالب التي على جمعيتنا أن تبلورها والتي من شأنها أن تضمن التفاف قطاعات جماهيرية واسعة (نساء، شباب، عمال، عاطلون، مهمشون، الخ) حول جبهة للنضال ضد البطالة، وأن تؤدي بالفعل إلى تقوية روح التضامن بين عبيد الأجرة ضحايا الاستغلال الرأسمالي عمال كانوا أو عاطلين…
فلتسقط أضاليل آلة الكذب البورجوازية الليبرالي، ولتحيا جبهة مناهضة البطالة، جبهة النضال الحازم من أجل مخرج شمولي من الأزمة يستشرف مستقبلا إنسانيا بالفعل، مستقبل المنتجين المتشاركين الأحرار في ظل تسيير ديمقراطي عمالي عقلاني ومخطط.

م. ش.
أواخر فبراير 1998



 
 
 
ورقة أولية على إشكالية النضال ضد البطالة

تشكل البطالة إحدى تجليات الأزمة الرأسمالية العاجزة أكثر فأكثر على ضمان شروط عمل «قارة» وإضفاء مشروعية على منطقها الذي يتناقض بشكل صريح مع تلبية الحاجيات الأساسية للأغلبية.
وفي المغرب، تكتسي البطالة طابعا جماهيريا وتشكل مصدر الإقصاء وتدهور شروط العيش المباشرة وعنصرا في الهجوم على المكتسبات، لكنها أيضا عنصر أساسي في النضال والتجدر. فمسألة البطالة والإقصاء تشكل الوجه الرئيسي للتناقض الأساسي بين البرجوازية والجماهير الشعبية في هذه المرحلة. لكن، ما هي الأدوات النضالية وطبيعة المهام التي تلزمنا للعمل على تفجير هذا التناقض؟ كيف سنحد نضالات المأجورين والمسرحين والعاطلين في سياق الأزمة النقابية وغياب حركة جماهيرية للنضال ضد البطالة؟

الإجابة على هذه التساؤلات ستسمح بإيجاد الشروط الفعلية لإحراز مكاسب جزئية وتحويل وضعية الرد الدفاعي إلى وضعية هجوم شامل. فإذا كانت البطالة تعتبر «الحلقة الأضعف» للهيمنة البرجوازية فهي «الحلقة الأقوى» لإعادة بناء حركة عمالية وشعبية مستقلة.

1)- البطالة والشباب
النضال المنظم ضد البطالة كان أولا في صفوف الشباب. لماذا؟
منذ أمد طويل، تكرست خصوصا في أذهان المضطَهدين فكرة أن الدراسة تسمح بارتقاء اجتماعي وتضمن ولوج الوظيفة العمومية ودخلا قارا. لكن في طل الأزمة الحالية، لم يعد هناك أي أفق لإدماج الأجيال الجديدة التي تعيش شروط حياة متدهورة أكثر من آبائها في الوقت الذي تكبر فيها طموحاتها وتتسع أكثر فأكثر.
وعلاوة على هذه العنصر المادي والاجتماعي، هناك عنصر أيديولوجي ونفسي: وعي جماهيري بأن الطلبة ليسوا مسئولين عن أزمة التعليم وبأن الدولة لا تقوم بأي مجهودات للحد من التمايزات الاجتماعية وتقديم حلول ولو جزئية ذات مصداقية.
«فقدان الثقة في الدولة» هذا، وهذا الشعور بغياب أي اهتمام من طرفها بالشباب، ثم غياب الأفق، كلها عناصر تفسر إلى حد ما السهولة التي وجدتها الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين في تشكيل قاعدة واسعة آتية من الوسط الطلابي. فالتناقض بين مستوى التكوين والتطلعات الاجتماعية للأجيال الجديدة وقدرات الإدماج لدى النظام هو محرك تحذر الشباب في هذه المرحلة.

بالطبع، لن يكون هذا التجدر منسجما لكون الشباب أنفسهم مشتتين:
- هناك الشباب المهمشين الذين خرجوا مبكرا من المدرسة أو لم يلجوها قط، وهم يتخبطون في مشاكل «القطاع غير المهيكل» ويعيشون شروط عيش متدهورة ومنافسة حادة من جراء دخول عشرات الآلاف من الشباب الذين يبحثون عن «البريكولات». هذه الفئة المذكورة تجد تعبيرها الوحيد في الانتفاضات العفوية
- هناك الشباب المتمدرس والذين يصارعون يوميا ضد تدهور شروط عيشهم ودراستهم، دون أن يجدوا الأشكال التنظيمية الملائمة للتعبير عن سخطهم، مع وعي حاد بفقدان قيمة الشهادات وعدم الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل.
- هناك الشباب حاملي الشهادات الذين يتقلص لديهم الاستعداد لولوج القطاع غير المهيكل ولم يعد يعيشوا وضعية «الانتظارية» في إتمام الدراسة أولا كما هو الشأن بالنسبة لطلبة، مما سمح بخلق هوية خاصة بهم تسمح بتعبئتهم الجماعية.

هذه الفئات الثلاثة، تشارك كلها نفس الإحباط والسخط إزاء عجز البرجوازية على منح الشباب وضعية اجتماعية لائقة. لكن، إذا كان تقل الأزمة واحتداد البطالة والإقصاء يدفعان نحو توحيد العاطلين، فهما أيضا يشكلان عنصرين للتمايز. وهذا ما يتجسد مثلا في التنافس بين مختلف أصناف العاطلين حاملي الشهادات الذين لا يجتمعون في إطار موحد، وأيضا بين مختلف فئات الشباب.

2)- البطالة والنساء
إذا كانت البطالة تعمق اضطهاد الشباب، فهي تعني بالنسبة للنساء استحالة تحقيق استقلال اجتماعي ومادي وتكريس وضعية الحيف الذي يطالها في سوق الشغل. ويعني هذا بالنسبة للنساء الشابات استحالة تجاوز العائلة البطريركية في الوقت الذي يعيش فيه هذا النمط أزمة خانقة. وهنا يجب التذكير بأن العولمة تهدد أساسا الأنشطة الصناعية التي تتركز فيها النساء (النسيج والصناعات الغذائية). كما يجب التذكير أيضا بتنامي النساء العازبات والمطلقات التي يتحملن مسؤوليات العائلة. وليس من الصدفة أن تتصدر النساء النضالات ضد التسريحات ومن أجل الحق في الشغل.

إن مسالة البطالة والإقصاء تميل إلى تعميق اضطهاد الشباب والنساء وتضعهم في مقدمة ضحايا إعادة هيكلة الرأسمالية التبعية. وبالتالي فهما المؤهلان للعب دور فاعل في النضالات الجماهيرية الثورية في المرحلة القادمة.

3). أشكال التجدر الحالية
إذا كان النضال ضد البطالة ينحصر اليوم أساسا على الشباب والنساء وحاملي الشهادات، فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار بأن نضالات الشباب تعبر بطريقتها الخاصة عن التناقض الأساسي في المجتمع، وتكشف المشاكل الاجتماعية خصوصا في هذه المرحلة التي تفتقد فيه الحركة العمالية لتعبيراتها المستقلة، وتدلنا على التجدر الذي يفعل في باطن المجتمع. كما أن هذا التجدر، عكس سنوات 70، لا يأخذ أشكالا أيديولوجية ويشمل جميع أوجه الأزمة. وهنا يجب إدراك الفرق: إذا كان جيل الستينات والسبعينات يناضل من أجل تغيير المجتمع مع انه كانت له الإمكانية المادية للاندماج فيه، فجيل اليوم يناضل من أجل الاندماج في المجتمع دون أن تكون لديه لا الإمكانيات ولا الوسائل. وهذا يؤدي إلى تبدل جذري في نمط التسييس. وهذا التبدل ساهم فيه أولا عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي أدت، في سياق تراكم الهزائم الجزئية وتراجع المكتسبات، إلى سيادة منطق الحفاظ على الحياة والدفاع المباشر عن شروط العيش. ولكن ساهم فيه أيضا أزمة المشروع السياسي لليسار الذي عجز عن التعبير عن طموحات الأجيال الجديدة وطرح برنامج نضالي حول المسألة الاجتماعية وتجديد وسائل تدخله في شباب لم يشهد لا انتصارات ثورية عبر العالم ولا أحرز على مكتسبات اجتماعية وكبر في وضعية أزمة وهذا هو مرد التناقض بين الجذر الموضوعي لنضالات المعطلين وطابعها الكفاحي ومستوى الوعي السائد في صفوفهم.
فالتجدر لا يأخذ اليوم شكل انخراط واع في مشروع اجتماعي بديل، بل شكل نضال جذري في مجال شروط الحياة المباشرة من أجل الحصول على مكتسبات مادية جزئية. فالنضال ينطلق اليوم من رفع المطالب الاجتماعية الجزئية (الحق في الشغل) في وجه السياسات الطبقية وعلى أساس تعبئات مستقلة. لكن هذا النضال يترافق ليس مع وعي بضرورة تغيير المجتمع بل بهدف الاندماج فيه. وبالتالي، فهو لا يؤدي إلى وعي سياسي شامل، وإن كان مضمونه يضرب الأسس الاقتصادية للرأسمالية وطريقة تسييرها ويتواجه مع الدولة. فيجب أن نميز بين أشكال الوعي الذي يخلقها الطابع الجزئي للنضالات والمطالب والدينامية الموضوعية. فبقدر ما يكون الانتقال من نضال مباشر إلى نضال شمولي صعبا، بما في ذلك على مستوى الوعي، بقدر ما يكون هذا المجال (الحق في الشغل والمطالب الاجتماعية) أساس تطور ضرورة قطيعة مع الرأسمالية. فالحق في الشغل لا يمكن احتوائه من طرف الرأسمالية. لذا فالنضال ضد البطالة سيكتسي طابعا سياسيا منذ الوهلة الأولى.

4)- حركة المعطلين والحركة الطلابية
يصطدم الوسط الطلابي بشكل مباشر بالمسألة الاجتماعية (ضرب مجانية التعليم، تدهور شروط الدراسة وشروط الحياة، الخ) مع بداية إرساء تقاليد النضالات خارج جدران الجامعة. وقد يدفع الخوف من البطالة إلى احتداد النضالات من أجل تحسين نوعية التعليم والرفع من قيمة الشهادات، وقد يترافق هذا مع إمكانية تحذر سياسي بشكل سريع وأكبر مما سيكون عليه في وسط المعطلين، وإن كان غياب الأدوات النضالية والتنسيقية يكبح هذه السيرورة.
وهنا يطرح مشكل إيجاد أشكال التضامن النضالي بين الطلبة والمعطلين، وخوض أشكال جديدة للمعارك وتوحيدها، وجعل مسألة البطالة محور التعبئات. ومن هنا أيضا ضرورة التفكير في الأوجه الأساسية التي يتخذها اضطهاد الشباب والتي يمكن أن تساعد على بناء هوية جماعية على مستوى النضالات والوعي.

5)- حركة العاطلين والحركة العمالية: أية علاقة؟
كنا نؤكد دائما على أن تغيير موازين القوى يستلزم تدخل العمال كطبقة تتوفر على القوة المادية من خلال اندماجها في سيرورة الإنتاج. هذه الطريقة في طرح هذه الفكرة الصائبة في العمق، قد يؤدي إلى استنتاجات خاطئة. وهنا لابد من بعض التدقيقات:
- فدور الطبقة العاملة الحاسم لا يعني بأن النضالات الاجتماعية خارج دائرة الإنتاج ثانوية أو أنها لا يمكن أن تشكل قوة مادية لتغيير المجتمع
- يكمن العنصر الحاسم في تشكل الوعي السياسي المستقل للمأجورين في التعبير عن التناقضات الطبقية في جميع الواجهات
- النضال من أجل الحق في الشغل بالنسبة لقطاع خاص (حاملي الشهادات) يعتبر قوة مادية تعمل في جميع الواجهات:
- يقوم بتعبئات وتهيئ تقاليد نضال يقطع مع سياسة الحوارات الاجتماعية مع الإنفجارات العفوية
- يرفع مطالب اجتماعية تعبر عن تطلعات شرائح شعبية واسعة ويساهم في إنضاج التناقضات بينها وبين الطبقة المهيمنة.

إن جوهر نشاط الجمعية نشاط الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب الموضوعي يتجاوز توجه قيادتها وحتى وعي قواعدها في لحظة محددة. هذا لا يعني تضخيما لدورها، ولكن هو إيمانا بأن التناقض الأساسي سيجد تعبيره في مجال النضال ضد البطالة في المرحلة القادمة. وعلينا التأمل في أمثلة كالعيون وجرادة، الخ.
لذا يجب نبذ المنظور السطحي للتحالفات:

1). جمعية المعطلين لم تستطع أن تطرح في جدول أعمالها التحالف مع الحركة العمالية لأنها توجد في وضعية متقدمة حاليا. كما أن الشروط الحقيقية لتحالف فعلي تستدعي انخراط قطاعات عمالية في النضال ضد البطالة من أجل الحق من الشغل لكي تصبح إمكانية وضرورة وحدة نضالية ملموسة

2). المطروح هو أن تكون الجمعية نقطة الارتكاز لجميع الشباب ومنحهم الإمكانية لتفجير طاقاتهم الثورية الكامنة. أمّا ما ستقوم به الجمعية تجاه الحركة العمالية فيفترض في هذه المرحلة عملا موجها نحو مراكز التكوين المهني والتقني التي يتخرج منها عمالا شبابا

3). الفكرة القائلة بضرورة انفتاح الجمعية لجميع كل الفئات الأخرى من العاطلين والمهمشين فكرة غير صائبة. ففي وضع دفاعي حيث الإطارات الجماهيرية متأزمة، تنطلق هوية كفاحية من قاعدة اجتماعية منسجمة ولها نفس الخصوصيات (حاملي السواعد بأسفي).

4). لذا لا يجب علينا إعطاء الأولوية لتوسيع القاعدة الاجتماعية للنضال ضد البطالة، بل المطروح هو إعطاء الأولوية لتوسيع القاعدة المباشرة للجمعية. أو بشكل آخر لا يجب أن تكون الجمعية القاعدة التنظيمية للجبهة الاجتماعية بل قطبا نضاليا للشباب.
الأ. ب. س.




دواعي موضوعية وذاتية لاهتمام النقابة بالنضال ضد البطالة

I. نستهل هذه المداخلة بطرح السؤال التالي: لماذا يجب على النقابة أن تطرح ضمن برنامجها النضالي مهام نضالية ومطالب محددة ضد البطالة؟ وفي اعتقادنا هناك مجموعة عوامل من بينها:
1). لقد تزايد عدد التسريحات الجماعية في المرحلة الأخيرة وخاصة تلك المستهدفة لقطاعات معينة تشغل النساء والشباب كالتصبير والنسيج من جهة من جهة أخرى هناك المترتبات الناتجة عن العولمة المؤدية إلى إعادة هيكلة عدة مؤسسات ينتج عنها تسريحات جماهيرية وذلك بمبرر أن هذه المؤسسات غير قادرة عن المنافسة وفرض ذاتها داخل السوق العالمية وأمام الرأسمال الأجنبي. وفي نفس السياق، إن تسريع خوصصة القطاع العام يؤدي إلى زيادة عملية التسريحات. ومن هنا نفكر أن قضية التسريحات الجماعية والبطالة قضية مركزية بالنسبة للطبقة العاملة.
2). يرتكز هجوم البرجوازية على عدة أسس. فبالإضافة إلى حرية التسريح نجد ضرب استقرار العمل كتزايد عقود العمل المؤقت وتوسيع وقت العمل الجزئي…الخ. هذا بالإضافة إلى كون الوقت الحقيقي للعمل يحدد من طرف السوق والحاجيات الظرفية للمؤسسة وليس العقود القانونية.
3). كما يؤدي كل ضعف الأجور وعدم التعويض عن البطالة إلى تدهور شروط الحياة.
4). يسهل وجود البطالة بشكل جوهري وعدم الاستقرار تكثيف الاستغلال من طرف الباترونا لكون ذلك ينتج عن خوف كبير من التسريح لدى العمال مما يسهل هجوم الباترونا حتى على المكتسبات المحققة.
5). تفرض هذه العوامل الموضوعية على النقابة اتخاذ موقف واضح تجاه قضية البطالة والقيام بمبادرات نضالية لمجابهتها. فإذا كان هدف النقابة هو تحقيق وحدة الطبقة العاملة فهذه العوامل وهذا الهدف لا يسمح للنقابة بالتمييز بين العمال الذين لديهم عمل وآخرون معطلون. إن عدم التمييز بين هاتين الفئتين ليست فقط مسألة مبدئية بل إنها مرتبطة بفعالية العمل والحركة النقابية وكذا مصداقيتها لكون البطالة والتسريحات الجماعية عاملين يؤديان إلى تفكك القوة الجماعية للطبقة العاملة وتكريس شروطا صعبة تحول دون إمكانية النضال والتنظيم. وبمعنى آخر، يترجم واقع البطالة والتسريحات إمكانية تطوير ميزان القوى المختل لصالح الباترونا أكثر.
6). يجب على النقابة بشكل عام وخاصة في دول العالم الثالث أن يكون لديها مواقع انغراس في مسلسل الإنتاج، في أماكن العمل، وفي المؤسسات، ولكن لا يمكن للنقابة أن تسقط من اهتماماتها القضايا والملفات الاجتماعية المحددة يوميا انطلاقا من الشروط المعيشية للجماهير الشعبية والكادحة كالصحة والتعليم والنقل وطبعا الشغل.
II. لماذا تغيب الحركة النقابية المغربية عن ساحة النضال ضد البطالة؟
حين طرحنا هذا السؤال لم نقصد به «النقابيين» الذين يدافعون على مصالح الباترونا داخل صفوف الحركة العمالية، ولكن نتحدث عن العناصر النقابية والقطاعات الكفاحية التي ما زالت متشبثة بضرورة بناء أدوات النضال المستقلة وضرورة بناء ميزان قوى من أجل الدفاع عن مصالح العمال. وفي اعتقادنا هناك عوامل متعددة توضح نسبيا هذا الغياب عن ساحة النضال ضد البطالة وأهمها:
1). قبل كل شيء هناك مفهوم ضيق للطبقة العاملة. فالمفهوم السائد هو تحديد الطبقة العاملة انطلاقا من علاقتها مع العمل وفي إطار مسلسل الإنتاج، من هنا يصبح النضال موجها تجاه الباترونا فقط ولكن يتم إغفال المشاكل الاجتماعية التي تعيشها هذه الطبقة وخاصة تلك المرتبطة بالصحة والتعليم والسكن أي يتم إغفال النضال بشكل مفتوح ضد المجتمع الرأسمالي ككل، هذا بالإضافة إلى عدم تصنيف العاطلين كقوة عمل لم تجد مكانها في سوق الشغل وبصيغة أخرى لا يتم طرح أن العاطلين هم جزء من الطبقة العاملة المحرومة من حقه في الشغل وكملاحظة، نجد عدم التمييز بين قضايا النساء والشباب داخل الطبقة العاملة.
2). هذا المفهوم الضيق يتجسد بشكل أكثر وضوحا في التصور التنظيمي للعمل النقابي وكذا من خلال الملف المطلبي. في الجانب التنظيمي، يتم التركيز على العمل النقابي داخل المؤسسات والمقاولات. ومن طبيعة الحال أن هذا العمل ضروري وجد هام خصوصا وأن الانغراس النقابي المفروض في هذا المجال. ولكن من المفروض أيضا أن تحاول النقابة تنظيم العمال انطلاقا من المشاكل الاجتماعية العامة التي يواجهونها، ولأن يكون هدفها بلورة سلطة مضادة ليس فقط داخل المؤسسات ولكن داخل المجتمع كذلك. وأكثر من هذا يتضح لنا أن كنا فعلا نهدف إلى بناء ميزان قوى لصالح العمال ونواجه السياسة الطبقية الممركزة من طرف الدولة أن نقوم بتوسيع القاعدة التنظيمية للحركة النقابية خارج المؤسسات. من هنا نطرح السؤال التالي: هل يمكننا فعلا أن نناضل ضد مدونة الشغل ضد سياسة التشغيل الحالية، ضد البطالة إن تم الارتكاز فقط على العمل النقابي داخل المؤسسات؟ ففي نظرنا يمكننا من خلال توسيع القاعدة التنظيمية للعمل النقابي خارج المؤسسات ونحصن العمل داخلها وأن ننتقل به من مستوى الدفاع عن المكتسبات إلى مستوى الهجوم وتحقيق مطالب أخرى. أما الجانب المتعلق بالملف المطلبي فيتم التركيز على المطالبة بتطبيق قانون الشغل. وفي نظرنا نعتبر أن التركيز على هذا المطلب صحيح وإيجابي لأنه يعتبر قاعدة انطلاق العمل النقابي داخل مؤسسات لم تعرفه من قبل، ولا تحترم فيها الحقوق البسيطة المتضمنة في هذا القانون ولكن في نفس الوقت لهذا الاختيار محدوديته ويغفل مجموعة من الإشكالات مثل:
أ.يمكن ملاحظة أن هذا المطلب في حد ذاته غير كاف لضمان تطبيقه في داخل المؤسسات وبالتالي يجب رفع مطالب أخرى متقدمة أكثر.
ب.بتبنينا هذه الإستراتيجية لا يمكن للحركة النقابية الخروج من هذا الإطار الذي يحدده القانون ولكن في حالة تطرقنا لقضايا أخرى مثل البطالة لن نجد أية فصول أو قوانين تتطرق لها بمن فيها قانون الشغل نفسه. فبالنسبة للتسريح الجماعي يطلب القانون الباترونا بأن يتم إشعار السلطات التي بعد أن تتأكد من واقع إفلاس المؤسسة، تقدم جوابا أمّا لصالح الباترون أو ضده. وفي الجانب الثاني هناك تعويضات ينص عليها القانون مثل التعويض عن الطرد التعسفي، واحتساب الأقدمية… الخ. ونلاحظ أنه من هذا المجال لا يمكن للعمال تقديم مطالب ومقترحات للحيلولة دون إغلاق المؤسسة كما لا يضمن القانون إمكانية الحصول على شغل بالنسبة للعمال المطرودين فوريا وبنفس المكتسبات التي كانت لديهم في المؤسسة المغلقة هذا بالإضافة إلى أن الاغلاقات في سياق العولمة ستصبح ظاهرة عامة وهنا نقصد الاغلاقات بسبب الإفلاس وبالتالي لا يمكن للعمال الاعتماد على قانون الشغل الحالي للدفاع عن حقهم في الشغل وعن كافة مطالبهم. وإذا ما تمت المصادقة على المشروع الحالي لمدونة الشغل فحتى تلك الإمكانيات النسبية والجزئية والهزيلة المتوفرة الآن ستنعدم مستقبلا وبالتالي وحسب اعتقادنا فإن ارتكاز العمل النقابي على مطالب مهنية وقانونية بالرغم من كونها إيجابية في بعض الجوانب لن يمكن من بلورة برنامج نضالي ضد التسريحات والبطالة في الوقت الذي أصبحت هذه القضية وستصبح قضية مركزية.
وكخلاصة لن يستطيع العمل النقابي بشكله التنظيمي الحالي الموجه نحو العمل داخل المؤسسات فقط والمبني على استراتيجية نضالية ومطلبية مقتصرة على الجانب المهني الضيق والقانوني مواجهة الهجوم الذي تعرفه الطبقة العاملة خاصة في مجال التشغيل والتسريحات هذا من جهة. ومن جهة أخرى لا يسمح هذا الشكل التنظيمي ولا هذه الاستراتيجية ببناء أدوات النضال الجماهيري ولا بإعداد موازين القوى لصالح الكادحين أمام هجوم الباترونا المنظم والمدعم من طرف الدولة.
III. ما هي المهام المطروحة من أجل النضال ضد البطالة والتسريحات؟
في نظرنا هناك ثلاثة مستويات متعلقة بالجانب التنظيمي وكذا الجانب المطلبي الخاص بالتحالفات
1). في الجانب التنظيمي يمكن طرح السؤال التالي: كيف يمكن تنظيم المطرودين داخل النقابة؟ فحاليا لا يوجد هيكل تنظيمي داخل النقابات، يظم العمال المطرودين والمعطلين ويشتغل بشكل منظم مثلا: لجان قارة منظمة لهذه الفئة تعمل على مراكمة الأسئلة والأجوبة المتعلقة بهذا المجال ونلاحظ أن أغلب العمال المطرودين في حالة عدم قدرته علة انتزاع حقهم في الرجوع إلى العمل يتعرضون للتشتت ولا تتوفر بعد ذلك إمكانية تجميعهم وتنظيمهم إن هذا الواقع يملي علينا ضرورة إحداث هيكلة قارة ودائمة وتوفير دعم لها من طرف التنظيمات الموازية [] وفي نفس الوقت ضرورة القيام بعمل نقابي موجه نحو الأحياء الشعبية. طبعا إن القيام بهذه المبادرات صعبة وتقتضي توفير شروطها الخاصة وتتمثل هذه الشروط في نظرنا:
* ضرورة دمج الملفات المطلبية لجملة مطالب تخص البطالة والتسريحات وطرح النضال ضدهما حتى بالنسبة للعمال الذين يشتغلون أي طرحها كنقطة ضمن الملفات المطلبية حتى تلك الخاصة بالمؤسسات وكذا طرحها على المستوى المركزي النقابي
* من مهام اللجن المطرودين النضال من أخل عودة المطرودين لشغلهم ورفع مطالب عامة غير مباشرة سنتطرق لها ضمن نقاشنا للملف المطلبي وستمكننا هذه المطالب والنضال لتحقيقها من المساهمة في بناء حركة عمالية وجماهيرية ضد البطالة
ب). بخصوص الملف المطلبي يمكن تسطير النقاط التالية:
* تقليص ساعات العمل: إن هذا المطلب مغاير للمفهوم السائد والواقع الذي يعيشه العمال حين لجوء الباترونا إليه كسلاح للضغط عليهم أي أنه مناقض للعمل الجزئي المرتبط بطلب وحاجيات السوق. كما يمكن أن يأخذ شكل مطلب لفرض مدة قانونية للعمل الأسبوعي مثل 40 ساعة في الأسبوع كخطوة إلى 35 ساعة في الأسبوع. ويجب أن يكون تقليص ساعات العمل دون تقليص الأجور ودون زيادة وتيرة العمل هذا من جهة. ومن جهة لأخرى يجب خلق مناصب شغل متوازنة مع تقليص ساعات العمل وان يكون ذلك تحت مراقبة العمال
* تقدير الأجر الخاص بالساعات الإضافية بنسبة 200% قياسا بالساعات العادية للعمل مع تحديد حد أقصى شهري لعدد الساعات الإضافية مع منع العمل الليلي (ملاحظة: سيتم تشغيل النساء ليلا وهذه ظاهرة متفشية في القطاع الخاص، أمّا بالنسبة للقطاع العام فيجب إلغاء المساعدات الإضافية دون المساس بالأجور.
* بالنسبة للتسريحات: المطالبة بوقف الامتيازات الممنوحة للقطاع الخاص من طرف الدولة وهذه الامتيازات تشجع الباترونا على نهج مبدأ التشغيل المؤقت.
* المطالبة بترسيم العمال المؤقتين والمتدربين
* المطالبة بحق الفيتو النقابي حول أية عملية تسريح للعمال، كما يجب المطالبة بعدم القيام بها إلاّ إذا تم تشغيلهم في مؤسسات أخرى مع الحفاظ على المكتسبات التي سبق أن حققوها في المؤسسة الأصلية.
* تأميم المقاولات المفلسة أو تلك التي قامت بإغلاقات لا قانونية أو تلك التي لها إمكانيات لرفع رأسمالها ولكن تقوم في نفس الوقت بتسريح العمال.
* المطالبة بتعويضات عن البطالة. فبالنسبة لنا يجب على كل من الدولة والباترونا توفير هذا التعويض لجماهير المعطلين وذلك بإحداث ضريبة على رأسمال المقاولات. ويجب أن تكون هذه التعويضات بقيمة الحد الأدنى للأجر المتقاضى من طرف العمال لكون أي مواطن أو مواطنة لديهما الحق في دخل قار ومناسب لتحقيق حاجياته الاجتماعية سواء كان يتوفر على شغل أو معطل. ولأن هذا المطلب سيكسر التنافس الذي عادة ما يكون بين العمال الذين يشتغلون والمطرودين وسيكون نقطة انطلاق لتجسيد وحدتهم كما سينزع سلاحا آخر بيد الباترونا ألا وهو تشغيل عمال جدد في حالة قيام العمال الأصليين بإضرابات لتحقيق مطالب تخصهم. وأخيرا فإن النضال من أجل فرض هذه المطالب يقتضي:
* تعبئة جميع العمال للنضال ضد البطالة مهما كانت قطاعاتهم ومهنتهم
* تطوير مراقبة عمالية لشروط العمل والتشغيل داخل المقاولات
ت). وبالنسبة للمستوى الخاص بالتحالفات فنطرح ضرورة القيام بتحالف مع كل تنظيمات المعطلين بشكل عام ومع جمعية المعطلين بشكل خاص. فباحترام الاستقلالية التنظيمية والجانب المتعلق بمطالبها الخاصة يجب بتناء وحدة النضال على أساس مطالب مشتركة خاصة ويمكن تجسيد هذا التحالف في النقاط التالية:
* دعم النقابات المتواجدة في قطاع الوظيفة العمومية لهذه التنظيمات ودمجها لمطلب الحق في الشغل للمعطلين ضمن ملفها المطلبي. والمطالبة بتسوية وضعيتهم بشكل مباشر بعد إدماجها في العمل.
*نضال هذه النقابات ضد كل أشكال العمل المؤقت أو الجزئي أو العمل الغير القار بصفة عامة.
*نضالها من أجل إلغاء الوظائف الوهمية أو تلك المتعددة وكذا النضال ضد الساعات الإضافية والنضال من أجل خلق مناصب شغل جديدة.
*التعريف بنمط توزيع الميزانية والتشهير بها والتشهير بالزبونية والمحسوبية… الخ.
*النضال ضد قانون المالية الذي يقلص إمكانية التشغيل ويؤدي إلى تسريح الموظفين.
*النضال ضد الخوصصة
*النضال من أجل التداريب مع احترام الحد الأدنى للأجور في إطار الوظيفة العمومية من ضمان إدماج وترسيم المتدربين.
*النضال من أجل الحق في التعبير والتنظيم ضد كل أشكال القمع التي يتعرض لها المعطلون والعمال.
وأخيرا يتضح لنا أن الحركة النقابية وجمعية المعطلين تستطيعان العمل من أجل بناء حركة جماهيرية ضد البطالة والنضال من أجل حق كل مواطن ومواطنة في الشغل.

دجنبر 1999
س.ن.

=====================================



أفكار عامة حول المرأة والبطالة


تقديم: البطالة وليدة النظام الرأسمالي
 إن أهم سمة تميز الاقتصاد الرأسمالي هي توالي فترات انتعاش وفترات انكماش بحيث يدخل الاقتصاد الرأسمالي بعد موجة من الازدهار مرحلة جديدة من أزماته الدورية التي لا تهم فقط البلدان الرأسمالية بل تتجاوزها لتطال انعكاساتها كل البلدان التابعة. وللخروج من مأزق هذه الأزمات تلجأ الرأسمالية إلى عوامل خارجية كتفجير الحروب والاستعمار ودعم الثورات-المضادة.

لقد استغلت الدوائر الإمبريالية وضعية اختلال موازين القوى لصالحها (انهيار البيروقراطيات في الإتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية / تراجع حركات التحرر الوطني إلى مواقع دفاعية / أزمة اقتصادية خانقة ومديونية ثقيلة يصعب التخلص منها) من أجل تطبيق سياسة اقتصادية ليبرالية في أغلب البلدان الرأسمالية وكل الدول التابعة. وبما أن الأزمة عالمية فالعلاج لابد أن يكون عالمي، والمخرج هو إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي عبر تطبيق وتعميم «برنامج التقويم الهيكلي» بما يعنيه ذلك العلاج من ارتفاع في المديونية والتراجع عن الخدمات الاجتماعية وضرب مجانية التعليم والتطبيب وإلغاء نظام دعم الأسعار الاستهلاكية الأساسية (صندوق الموازنة)، إضافة إلى انسحاب الدولة من مجموعة من القطاعات وتفويتها لأرباب العمل المحليين والأجانب. والحصيلة هي تدهور رهيب للقدرة الشرائية وتنامي نسبة الأمية والبطالة وتوسيع دائرة الفقر (يزيد الأغنياء غنى في حين يزيد الفقراء فقرا)،

البطالة إذن نتيجة حتمية لأزمة الاقتصاد الرأسمالي. وكلما تعمقت أزماته كلما تفاحشت البطالة وتحولت من بطالة نسبية إلى بطالة جماهيرية تمس كل شرائح وفئات المجتمع بمختلف أعمارها وأجناسها. والبطالة ليست نتيجة لنمو ديموغرافي أو لعدم تطبيق برنامج التعليم مع حاجيات سوق العمل ولا هي نتيجة لخروج المرأة للعمل.

1)- المرأة أكثر الفئات تضررا من واقع البطالة.
تعيش المرأة المغربية وضعية التهميش والدونية مثل رفيقاتها في باقي الدول العربية. وتجد هذه النظرة الدونية للمرأة سندها في قوانين ومرجعيات رجعية مثل (مدونة الأحوال الشخصية، قانون الالتزامات والعقود…)، بالإضافة إلى تقاليد وعادات ضاربة في عمق الرجعية ذات السند الديني والغيبي التي ما هي في الحقيقة إلاّ مجموعة قيود تأبد استعباد المرأة وتكرس السلطة الأبوية وتدافع عن العائلة الأبوية كشكل العائلة الوحيد الملازم لأي مجتمع طبقي، مما يجعل من المرأة عبدا تابعا للرجل. ولا يمكن للمرأة أن تتحرر من هذه التبعية، الاقتصادية على الأقل، إلاّ بالعمل. فإذا كان حق التوفر على الشغل مناسب ومقبول وممارسته في ظروف إنسانية جزء من الحقوق الأساسية للإنسان، فهو يعد بالنسبة للمرأة تحقيق استقلالها الاقتصادي والذي بدونه ستظل دائما ذلك الكائن الطائع والخاضع لسلطة الرجل (أخ، أب، زوج…) المستمدة من السلطة الاقتصادية. أن تكاليف العيش وأزمة الأسرة تدفع المرأة إلى الخروج إلى سوق العمل لبيع قوة عملها.

2)- أي عمل للمرأة؟
في غياب عمل مناسب تحترم فيه كرامة الإنسان تضطر المرأة، تحت ضغط الحاجة، إلى القبول بأي عمل يضمن لها الحد الأدنى للعيش: تضطر إلى امتهان الخدمة في المنازل مقابل أجر زهيد وفي ظروف صعبة ودون أية حماية قانونية، حيث تتعرض لكل أشكال العنف والتعذيب إضافة إلى التحرش الجنسي الذي يصل في حالات كثيرة إلى الاغتصاب.
تضطر المرأة أيضا، في غياب عمل مناسب وفي ظل مجتمع تسيطر فيه الأيديولوجية البرجوازية التي تلتقي في نظرتها للمرأة مع الفكر الإسلامي وتختزل المرأة في جسدها وتحدد دورها في الإغراء الجنسي وتلبية رغبات الرجل الجنسية، إلى بيع جسدها مقابل أجر يمكنها من تحقيق الضروريات الملحة. هذا في وقت أصبح فيه البغاء تجارة مربحة بالنسبة للرأسمالية (التعامل الدولي بالعاهرات في إطار تجارة الرقيق الأبيض!).
وإذا كانت المرأة العاطلة المتزوجة خاضعة لسلطة الزوج، فإن رفيقتها العاطلة الغير المتزوجة وتحت ضغط الأسرة التي تعتبرها عالة فإنها تضطر إلى البحث عن مخرج من هذه الوضعية. وبالطبع في غياب أي عمل سيكون المنقذ هو الرجل. وبذلك تنتقل من العيش تحت سلطة الذكر / الأخ إلى سلطة الرجل / الزوج.
إن ارتفاع نسبة تشغيل النساء لا يعني تخلصهن من جحيم البطالة ونتائجها (استغلال قوة عملها / استغلالها جنسيا / تكريس وضعية الدونية والتبعية للرجل). إن عصر أزمة الرأسمالية يوجه أقصى الضربات للمرأة من حيث هي مأجورة أو من حيث عملها المنزلي كما من حيث هي عاطلة.
4)- تحرر المرأة وهين بتحرر شامل للمجتمع
إن تحرر المرأة سواء كانت عاملة أو عاطلة لن يكون إلاّ بالتحرر الشامل والكامل للمجتمع، كما أن النضال من أجل مجتمع بديل تنتفي فيه كل أشكال الاستغلال يستوجب المشاركة الفعلية للمرأة.
إن النضال ض
 البطالة لا يهم فقط حركة المعطلين بل يهم كل مكونات الحركة الجماهيرية: معطلين، نساء، عمال، طلبة، الخ. فالتخفيف من حدة البطالة لن يتم غلاّ بخلق جبهة اجتماعية للنضال ضد البطالة والطرد والتسريح تتكون من الإطارات النقابية والحقوقية والشبيبية والنسائية والثقافية والسياسية. كما أن القضاء على البطالة لن يتم إلاّ بالقضاء على النظام الرأسمالي التي أفرزها، وذلك عبر توحيد النضالات بين كل الكادحين من أجل تحقيق مجتمع قائم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.
خ. غ
فبراير 1998.



[1] - افتتاحية جريدة العلم 05/10/1991


[2] - تدخل فتح الله أولعلو أمام البرلمان. جريدة الاتحاد الاشتراكي 24/12/1991
[3] - الافتتاحية المذكورة لا تخلو من إثارة مسؤولية الحكومة.

[4] - مصطفى الكثيري: الاختناق السابع. الاتحاد الاشتراكي 10/01/96
[5] - استجواب مع ذ. التباع (عضو اللجنة الاقتصادية لحزب التقدم والاشتراكية)، جريدة بيان اليوم، 08/12/1991

[6] - ذ. التباع: التشغيل قضية الجميع. جريدة أنوال 04/08/90

[7] - مصطفى الكثيري : قراءة في مشروع الميزانية الانتقالية. الاتحاد الاشتراكي 10/01/1996

[8] - مصطفى الكثيري : قراءة في مشروع الميزانية الانتقالية. الاتحاد الاشتراكي 10/01/1996

[9] - مصطفى الكثيري : قراءة في مشروع الميزانية الانتقالية. الاتحاد الاشتراكي 10/01/1996

[10] - مصطفى الكثيري : قراءة في مشروع الميزانية الانتقالية. الاتحاد الاشتراكي 10/01/1996

[11] - مصطفى الكثيري : قراءة في مشروع الميزانية الانتقالية. الاتحاد الاشتراكي 10/01/1996

[12] - مصطفى الكثيري : قراءة في مشروع الميزانية الانتقالية. الاتحاد الاشتراكي 10/01/1996

[13] - مصطفى الكثيري : قراءة في مشروع الميزانية الانتقالية. الاتحاد الاشتراكي 10/01/1996

[14] - مصطفى الكثيري : قراءة في مشروع الميزانية الانتقالية. الاتحاد الاشتراكي 10/01/1996

[15] - تدخل محمد صبري باسم ك.د.ش. في جلسة الأسئلة الشفوية بالبرلمان. الاتحاد الاشتراكي، 03/12/1990

[16] - ذ التباع، أنوال 04/08/90. مرجع سابق.
[17] - افتتاحية العلم، 05/10/91. مرجع سابق

[18] - بيان شبيبة أحزاب الكتلة اثر الأحداث التي شهدتها مدينة تطوان. الاتحاد الاشتراكي، 02/07/1996