لماذا هذه المدونة؟

نضع بين أيديكم في هذه المدونة محتويات الأعداد الستة من نشرة فرع أكادير "المعطل(ة) المكافح(ة)" وهي تدل على المجهود الإعلامي الذي بدله الفرع للمساهمة في خلق إعلام كفاحي تقوده الجمعية الوطنية. كما يأتي هذا الإصدار للتأكيد مرة أخرى على ضرورة استمرار النضال من أجل بناء جمعية للمعطلين جماهيرية كفاحية مستقلة والعمل من أجل النضال المشترك مع كل ضحايا البطالة ومن أجل توفر جمعيتنا على إعلام كفاحي ومستقل يرفع عنها الحصار ويكون منبرا لنقاشنا الداخلي. كما نجدد التأكيد أن لا مستقبل لجمعيتنا في غياب ترسيخ تقاليد الديموقراطية الداخلية.


الاثنين، 3 يناير 2011

من أجل جبهة اجتماعية لمواجهة مشروع مدونة الشغل[1]




1)- الإطار العالمي لظهور المشروع
دخل الاقتصاد الرأسمالي مع بداية التسعينات موجة جديدة من الانحسار الاقتصادي في ظل الأزمة الركودية الطويلة التي يعيشها منذ بداية السبعينات. ورغم تسجيله لانتعاش نسبي مع أواسط هذا العقد الأخير، فإن نسب النمو لم ترق إلى مستوى مثيلاتها قبل الأزمة، كما أن معدلات الربح ما فتأت تميل نحو الانخفاض. هذا ما دفع بالحكومات البرجوازية إلى إعادة هيكلة سيرورة الإنتاج للتخفيف من حدة أزمة التراكم الرأسمالي ولضمان إنتاجية تنافسية في السوق الرأسمالية العالمية عبر:
-. محاربة التضخم
-. تقليص عجز الميزانية
-. الخوصصة وتدمير الخدمات الاجتماعية
-. تشجيع مرونة الشغل.
إن المحرك الأساسي للرأسمال هو ضمان أقصى معدلات الربح التي تتأتى أساسا من فائض-القيمة، أي من استغلال الطبقة العاملة التي تشكل انتزاعها لمكاسب عبر تنظيمها ونضالاتها تقليصا لهامش الربح. لذا فإن اختلال موازين القوى لصالح البرجوازية واستسلام بيروقراطية المنظمات العمالية وفرا الشروط لهجوم كاسح على مكان يجري إلغاء القوانين والتشريعات المتعلقة بعلاقات الشغل وتعويض بأخرى أكثر إجحافا، ويعد تشجيع مرونة الشغل حصان طروادة السياسة الليبرالية الجديدة التي توصي بها المؤسسات المالية الإمبريالية. فتقرير البنك العالمي بتاريخ 03/05/1995 في ملحقه الثاني الخاص بسوق الشغل هجم على ثلاث جبهات:
-. الحد الأدنى للأجر
-.التحملات الاجتماعية
-. قانون التسريحات
حيث اعتبرها معيقات أمان التشغيل لأنها تعرقل قرارات المقاولات للاستثمار.

2)- حكومة «التناوب» تواصل التطبيق المحلي للسياسات الإمبريالية
إن ما يسمى بالاندماج التنافسي في السوق العالمية الرأسمالية فرضته القوى الإمبريالية العظمى على البلدان التابعة لتعميق تخلفها الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي مجبرة إياها على القيام بإجراءات ترتكز على:
-. تطوير الأسواق الخارجية
-. تحفيز اتفاقات الاندماج متعدد الأطراف
-.تغيير العلاقات بين العمال والرأسمال بشكل نهائي
ويتجسد التطبيق العملي لهذه النقطة في مشروع مدونة الشغل وكل التراجعات التي شملت مجال تشريعات الشغل. ويلخص أحد خبراء البنك العالمي بكل وضوح روح هذا المشروع:
«قانون شغل جيد لا يجب أن يتجاوز عشر صفحات. يجب التحرر من الشروط التي تفرضها التشريعات والقوانين وأهم هذه الشروط (بالترتيب) الحد الأدنى للأجر وعمل النساء واستقرار الشغل. إن وجود الحد الأدنى للأجر سيدفع المشغلين إلى عدم تشغيل الذين تقل إنتاجيتهم عن الأجر الأدنى. وبما أن الأمية مرتفعة في المغرب، فإن ذلك يعني الحكم على قسم من السكان بالبطالة والتشغيل البري. يؤدي وجود الحد الأدنى للأجر إلى البطالة وتؤدي الأنظمة المحمية بإفراط إلى أن الأطفال يشغلون في ظروف تجاوز العبودية والمشغلون لا يشجعون على التشغيل. يجب ترك العلاقات الشغلية تحدد بالاتفاق بين المشغلين والعمال. اتفاقية جماعية قطاعية أفضل من قانون الشغل، وعلى هذا أن يكتفي بتعيين كيفية إبرام الاتفاقيات الجماعية وليس مضمونها»[2]. وهو ما عبر عنه أيضا أحد ممثلي الباترونا لما قال:
«منذ زمان ونحن نطالب بوضع حد للزواج الكاثوليكي بين رب العمل والأجير، لأن المقاول لا يمكنه في بعض الحالات وبعض القطاعات الاحتفاظ بكل الأعمال في ظل التقلبات الاقتصادية»[3].

هكذا إذن تشكل مرونة الشغل، خاصة تسهيل التسريح وإلغاء الحد الأدنى للأجر وعقود الشغل، عنصرا حاسما لضمان التنافسية. على المقاولة أن تنتعش وتضمن تنافسيتها أولا، وليدهب العمال إلى الجحيم. هذا هو المنطق الرأسمالي الذي تدافع عنه حكومة التناوب المزعوم وهي تحث على الإسراع بإصدار مشروع المدونة وتجتهد في تطبيق توصيات مراكز القرار الإمبريالية: تدمير القطاع العمومي وما يعنيه من خدمات اجتماعية لصالح قطاع خاص يشكل التسريح الجماعي للعمال شرط تحقيق أرباحه، منح إعفاءات للباطرونا في مجال الضرائب أو في مجال مساهمتهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، برامج لامتصاص نقمة حاملي الشهادات المعطلين وتقديمهم كقوة عمل مؤقتة وبأبخس الأجور للمقاولات، تبني ميزانية تقشفية تزيد من بؤس الملايين من أبناء الشعب الكادح لضمان استرداد مديونية نهبتها الطبقة الحاكمة، الخ. وبالموازاة تزكي وتوقع على سياسة القمع المنهجية التي يقوم بها النظام، ويعد قمع المسيرة الشعبية التي دعت إليها الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين أسطع دليل عليها.

3)- مضمون مشروع المدونة الجهنمي
لا تسع هذه الورقة لتناول محاور مشروع المدونة بتفصيل، لذا سنكتفي بتناول بعض الأوجه الرئيسية.

أ)- الهجوم على استقرار العمل وتشجيع العمل المؤقت:
-. تحرير تسريح العمال الكلي أو الجزئي لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية:
تراجع المشروع الحالي عن التحرير الذي جاء به مشروع 1995 الذي ترك أمر الترخيص بالتسريح بين يدي مندوب الشغل. فمشروع 1998 أعاد الترخيص إلى عامل الإقليم، لكنه لا يسمح للمحكمة بإعادة المطرود إلى العمل بل فقط بتعويض هزيل.
علينا أن لا ننظر للأمر من زاوية ما لم يجهز عليه مشرع المدونة الجديدة، بل من زاوية ما كان عليه أن يأتي به من حماية لاستقرار الشغل والحق في العمل الذي يقول عنه الفصل 13 من الدستور أنه حق للمواطنين على السواء.
فالمنظمات العمالية لا يؤخذ وجودها بعين الاعتبار في مسألة التسريح الجماعي أو الجزئي. فكل ما ينصص عليه المشروع هو أن عامل الإقليم (الحكم المطلق المحلي) يستشير لجنة تضم ممثلين عن العمال.

أمّا عامل الإقليم فهو في تناغم تام مع النخبة الغنية ويسدي لها الخدمات، وينمي بفضل تلك الصلات ثرواته الخاصة. لذا فهو سيراعي مصالح الرأسماليين في المقام الأول، اللهم إذا كانت التعبئة العمالية في مستوى فرض حلول أخرى.
وكل هذا في صالح الباطرونا التي يمنح له المشروع سهولة تسريح مئات العمال وتشريدهم العمال كلما أدت به فوضى الاقتصاد الرأسمالي وأزماته إلى الإفلاس.
ولم يتناول المشروع مشكل البطالة بالتنظيم والحل، على الأقل في ما يخص التعويض عن البطالة الطلية والجزئية الناتجة عن التسريح الكلي أو الجزئي من العمل وذلك بإيجاد نظام للتأمين عن البطالة تموله الدولة وأرباب العمل.
-. خلق وكالات خاصة تعمل في الوساطة في التشغيل (المادة 472) وعلى مقاولات التشغيل المؤقت (المادة 487). هذا يفتح الباب للسمسرة في اليد العاملة ويعد ضربا لاستقرار الشغل[4]. ونشير هنا إلى أن الحكومة الحالية صادقت على اتفاقية المنظمة العالمية للشغل المتعلقة بوكالات الوساطة خدمة للرأسمال، لكنها لم تصادق على الاتفاقية رقم 168/88 لتنمية العمل والحماية من البطالة والتي تتضمن أحكاما خاصة بالباحثين الجدد عن العمل.
-. إلغاء ظهير 26 ماي 1982 القاضي بتحديد سن إحالة الأجراء على التقاعد وإلزام المؤاجر باستخدام من يخلف المنقطعين عن الشغل بسبب ذلك، دون أن ينصص على إجراء مماثل لتعويض المتقاعدين مما يحد من إمكانات التشغيل المتاحة.

ب)- الإجهاز على الحريات العامة:
-. إلغاء حق الإضراب: تنص المادة 34 على أن عقد الشغل يتوقف أثناء مدة الإضراب. ينضاف هذا الإجهاز على إحدى الحقوق الأساسية للطبقة العاملة إلى الفصل 288 المشؤوم من القانون الجنائي الذي يحاكم به النقابيون تحت ذريعة عرقلة حرية العمل، وظهير شتنبر 1938 الذي يفرض العمل الإجباري على العمال والذي استعمل لمحاولة كسر إضراب السككيين في ماي 1995، ليضربا في العمق الفصل 14 من الدستور الذي ينصص على حق الإضراب ويكشفا عن بشاعة الاضطهاد التي تعاني منه جماهير العمال.

ج). إلغاء الحد الأدنى للأجور:
-. تنص المادة 356 على عدم إجبارية الحد الأدنى للأجر الذي تختلف مبالغه حسب الظروف الاقتصادية وحسب طبيعة الشغل. وهنا سيحتد الحيف القديم ضد العمال الزراعيين الذين يعانون من طول يوم عملهم وبأجر أقل.
هكذا وفي ظل أزمة كارثية تطال غالبية الشرائح الكادحة بالمغرب يجري تدمير المكتسبات التي تضمنتها قوانين الشغل مما سيزيد من تنامي البطالة الجماهيرية والإفقار المطلق للجماهير الشعبية الواسعة. ومما ساعد على هذا الهجوم البرجوازي الوحشي الذي تشكل حكومة اليوسفي أداة تنفيذه ضعف المنظمات العمالية وسياسة التعاون الطبقي التي تنهجها قيادتها البيروقراطية.

4)- من أجل جبهة اجتماعية للنضال ضد مشروع مدونة الشغل
إن الحلقة المركزية في النضال ضد مشروع المدونة هي الطبقة العاملة. ونظرا لاختلال موازين القوى لصالح البرجوازية وضعف المنظمات النقابية لابد من تنظيم تعبئة جماهيرية شاملة على أساس تحالف مختلف مكونات الحركة الجماهيرية وعلى رأسها الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب.

إن جمعيتنا التي اختارت النهج الكفاحي وابتعدت عن المنطق التوافقي للدفاع عن الحق في الشغل، يمكن أن تقوم بعمل ريادي تشكل من خلاله حلقة يتمحور حولها كل المناضلين داخل النقابات والطلبة والنساء وحقوق الإنسان لإلغاء مشروع المدونة الذي يكرس مرونة الشغل وينمي البطالة.

على مناضلي جمعيتنا أن يضعوا على عاتقهم مهمة تفعيل لجان مناهضة مدونة الشغل أو الدفع بخلقها كمبادرة منهم للتحسيس بخطورة المشروع والدفع بالأشكال النضالية العملية التي ستفرض على التنازل عنه. وفي هذا السياق عليهم تكثيف جهودهم للتشهير بمضمون المدونة في الأوساط العمالية عبر تنشيط ندوات وإصدار كراريس ومطبوعات تبسيطية تكون في متناول العمال البسيطين. وهنا سيتحقق بالملموس ذلك الانسجام الضروري بين العمال البدويين والذهنيين لمواجهة الأعداء الطبقيين.
[1] - مداخلة فرع أكادير لـ ج. و. ح. ش. م. م. في الأيام التكوينية التي نظمتها ج. و. ح. ش. م. م. بمراكش 26/12/1998
[2] - مقابة économiste مع اسحاق ديوان ishac Diwan من البنك العالمي، 18 يوليوز 1996.
[3] - عبد الرحمان بناني السميرس رئيس سابق لنقابة أرباب العمل في اجتماع نظمه مجلس الشباب والمستقبل.
[4] - راجع العدد الثالث من «المعطل المكافح» لمزيد من التفاصيل.

ليست هناك تعليقات: